للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هيجل تخلى عن موقفه هذا في مرحلة لاحقة وأخذ ينظر إلى تاريخ الأديان بطريقة يُقال لها جدلية. ويرى هيجل أن العقيدة تصبح برانية وجافة إن لم يتحد المقدَّس بالزمني، ولكنها تفتقر إلى الجدية إن لم يكن هناك انفصال بينهما. ومن ثم، فإن العبادة اليونانية والإحساس اليهودي بالقداسة يقفان على قدم المساواة، فالعبادة اليونانية للتماثيل الجميلة تنطوي على قدر من الحقيقة، فثمة قداسة في الجمال. ولكن الإنسان هو صانع هذه التماثيل، والإنسان متناه والتماثيل من ثم متناهية، ولكن تناهيها يجعلها زائفة رغم جمالها. ولذا، قامت الفلسفة القديمة بنزع القداسة من هذه التماثيل. وهذا أيضاً ما أنجزته اليهودية منذ البداية، فالإله في اليهودية متجاوز للطبيعة والإنسان ومن ثم تصبح التماثيل (وأشكال الجمال الطبيعي والمادي) غير مقدَّسة. ولكن هذا الإنجاز اليهودي له ثمنه الفادح، فهو يعني انفصال الإنسان عن الخالق ولا يمكنه أن يمتزج معه ويتحد به من خلال الحب. فعبادته للإله مبعثها الخوف والرهبة. وتأخذ التجربة الدينية اليهودية شكل الطاعة العمياء (البرانية) للقانون (الشريعة) والرغبة في الثواب ولا يوجد فيها أي أساس للروحانية، فهي تشكل انفصالاً كاملاً للموضوع عن الذات. ويرى هيجل أن هذا هو السبب في أن العالم الوثني الروماني كان يطرح مفهوماً عالمياً للحقيقة على عكس اليهودية التي تؤمن بإله عالمي ولكنها ظلت حبيسة خصوصيتها القَبَلية والقومية. ويرى هيجل أن المسيحية تحقق المثل اليوناني واليهودي معاً، إذ يخرج الإله من ذاته ليصبح إنساناً ومن ثم يصبح الإنسان إلهاً!

<<  <  ج: ص:  >  >>