ويجب أن نذكر أن فكر معاداة الاستنارة أفرز مناخاً معادياً لفكر المساواة والمثل الليبرالية والثورة، فهو يمجد العصور الوسطى وفكرة الجماعة العضوية المترابطة (الجماينشافت) مقابل الجماعة التعاقدية المفتتة (الجيسيلشافت) ، وهو التمييز الأساسي الكامن في الفكر الألماني الاجتماعي وفي معظم الفكر الغربي الثوري والرجعي. وكان اليهود جماعة وظيفية وسيطة دينامية متحركة مرتبطة بالتجارة والمال، وبالتالي بالبورجوازية الصاعدة وبالمجتمع الجديد. وقد تمت علمنة اليهود بسرعة مذهلة ربما بسبب الأزمة التي كانت تجتازها اليهودية، كما أن أعداداً كبيرة من اليهود انخرطت بطبيعة الحال في الأحزاب الليبرالية والحركات الثورية، وهو ما جعل لليهود بروزاً غير عادي في هذه الحركات وربط بين اليهود والليبرالية والثورة.
وإذا كان هذا هو رأي اليمين، فإن عينات كبيرة أيضاً من اليسار ربطت بين اليهودي من جهة والرأسمالية والبورجوازية وماديتها الخسيسة من جهة أخرى. وكان العداء للرأسمالية، يأخذ في كثير من الأحيان شكل معاداة اليهود، كما هو واضح في كتابات فورييه وتوسونيل وماركس. وقد كتب سومبارت أطروحته المشهورة التي يبين فيها أن اليهود هم المسئولون عن ظهور الرأسمالية (وهذا في رأيه تعبير آخر عن فكرة الصراع بين الساميين والآريين) . والساميون هنا (أي اليهود) هم التجار المتجوِّلون، والآريون هم الفلاحون المنتجون المرتبطون عضوياً بالأرض. وكانت الأطروحة الاشتراكية تكتسب، أحياناً، بُعداً قومياً متعصباً بحيث نجد أن بعض الكتاب الألمان، بتوقهم الرومانسي إلى العصور الوسطى العضوية (الجماينشافت) ، كانوا يرون أن الرأسمالية ظاهرة غير ألمانية (دخيلة) أدخلها العنصر التجاري اليهودي الغريب، وأخذوا يدعون إلى العودة إلى حياة أكثر ألمانية وبساطة!