وهناك عنصر آخر في الفكر الاجتماعي الغربي ساهم بدوره في صياغة الرؤية الغربية الحديثة لليهود، ويتمثل فيه هذا الانقسام الذي لاحظناه بين مفكري عصر الاستنارة، إذ كانت بعض العناصر البورجوازية الثورية تنظر إلى اليهود باعتبارهم عنصراً مهماً لاستمرار الوجود الإقطاعي. وكان كبار مموِّلي اليهود قريبين بالفعل من النخبة الحاكمة يشكلون جماعة وظيفية وسيطة تمد أعضاء هذه النخبة بما يحتاجون إليه من أموال وبضائع، وهو ما كفل لهم شيئاً من الاستمرار ويسَّر ضرب البورجوازيات الصاعدة. ولكن الفريق الأكبر من المفكرين (من اليمين واليسار) كان يرى أن اليهود مرتبطون عضوياً بالبورجوازية والاقتصاد الجديد والليبرالية السياسية. وكان روتشيلد هناك دائماً ينهض دليلاً عملياً محسوساً يوهم بصدق هذه النظريات. وبطبيعة الحال، كانت قطاعات المجتمع المرتبطة اقتصادياً أو وجدانياً بالاقتصاد الزراعي القديم تهاجم اليهود كتجار يحملون قيم التنافس والتجارة والعلمانية. وكان دعاة القومية السلافية المعروفة بعدائها للغرب (المنحل) ولأفكار الرأسماليين (الماديين) ، يرون اليهود بتكالبهم المفترض على الثروة وبتفككهم الاجتماعي (والذي كان حقيقة مادية بالنسبة لقطاعات كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر) شاهداً حياً على هذه المادية.