٦ ـ مع الإعتاق السياسي والاقتصادي لليهود، لم تعد الجماعة اليهودية جماعة وسيطة مغلقة تعيش في مسام المجتمع داخل الجيتو ويمكن التسامح معهما، بل خرج أعضاؤها إلى المجتمع ليلتحموا بالبناء الطبقي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، وقد حققوا حراكاً اجتماعياً وطبقياً كبيراً، وانتشروا بأعداد كبيرة في أنحاء أوربا بسبب الانفجار السكاني الضخم بينهم. وأدَّى كل هذا إلى احتكاك واسع المدى بين أعضاء الجماعات اليهودية وبين بعض قطاعات المجتمع تحت ظروف لم تكن مواتية تماماً بسبب الثورة الصناعية التي حرمت الملايين من الأمن التقليدي الذي كانوا يتمتعون به في المجتمع الزراعي.
٧ ـ انتشر اليهود في المجتمعات الغربية بعد أن ضعفت هويتهم وقيمهم الدينية، وبعد أن اقتُلعوا من محيطهم الثقافي المألوف لهم. ولذا، كانت تنتشر بينهم ظواهر مثل الغش والسرقة، الأمر الذي عزز من الصور الإدراكية السلبية عنهم.
٨ ـ أصبح كثير من اليهود ممن يمكن تسميتهم «يهود غير يهود» ، أي يهود ليس فيهم من اليهودية سوى الاسم، فقد تآكلت هويتهم الدينية والإثنية تماماً، ومع هذا استمرت المجتمعات الغربية في تصنيفهم يهوداً. وهذا أمر جعل الناس يشعرون أن اليهود يوجدون في كل مكان وزمان.
٩ ـ هؤلاء اليهود غير اليهود كان لابد من تعريفهم بطريقة ما. وقد تم تعريفهم بطريقة عرْقية مجردة حيث كان التعريف الديني التقليدي غير ممكن. فالعنصر المشترك بين الشحاذ اليهودي من شرق أوربا والموسيقار اليهودي من غربها والتاجر اليهودي من وسطها، لم يكن الدين أو حتى هوية قومية بعينها، وإنما كان خاصية مادية عرْقية افتراضية كامنة غير ظاهرة ولا واضحة المعالم، وهي الخاصية البيولوجية اليهودية التي كان الجميع يفترضون وجودها برغم عدم ظهورها.