وكان لإسهام المفكر السياسي والمستشرق الألماني بول أنطون دي لاجارد (١٨٢٧ـ ١٨٩١) أبعد الأثر في تضخيم الهالة الثقافية والعلمية حول معاداة اليهود. كان لاجارد يحن إلى حضارة العصور الوسطى التيوتونية الخالصة (العضوية) ، كما كان يؤمن بالشعب العضوي (الفولك) الألماني وتفوُّقه على الشعوب الأخرى، ويرفض مبدأ المساواة. بل وكان يرى أن الليبرالية مؤامرة عالمية خطيرة. ولم يشأ التعبير عنها بأي من اللونين الأحمر أو الأسود، فهما لونان لهما شخصيتهما، بل وقع اختياره على الرمادي، وانتهى به المطاف إلى اكتشاف وجود الأممية الرمادية التي استنكرها لأنها تشكل حجر عثرة في سبيل تحقيق خلاص الأمة الجرمانية وأداء رسالتها «نحو العلم» ، على حد قوله، كما تقطع الطريق على الأماني والأطماع الجرمانية الرامية إلى إخضاع أوربا الوسطى للسيطرة الألمانية، والتخلص من إمبراطورية هابسبورج، وإجلاء السلاف عن البلاد بالقوة لأنهم ليسوا من سكانها الأصليين. وبطبيعة الحال، ربط لاجارد بين الليبرالية الأممية الرمادية واليهود، الذين وصفهم بأنهم يشكلون عبئاً كريهاً ولا مغزى تاريخي لهم، يهدِّدون رسالة ألمانيا ووحدتها القومية. ولم تكن أفكار لاجارد عنصرية سوقية وإنما كانت عنصرية أكاديمية تستخدم ديباجات علمية، فقد كان يؤكد أنه لا يكن أي عداء لليهود كأفراد وإنما يعادي أمة سامية وثنية غريبة يُعرْقل وجودها (الموضوعي) اتحاد أوربا الوسطى تحت قيادة ألمانيا، ولذا فلابد من طرد أعضائها أو ترحيلهم بالقوة.