كل هذه الظواهر تثير التساؤلات في نفوس الناس، وبما أنهم لا وقت عندهم للبحث والاستقصاء، لذا تظهر الإجابات الاختزالية السهلة، وصيغة المؤامرة اليهودية صيغة تملك مقدرة هائلة على سد الهوة التي تفصل عقلانية الرؤية الغربية عن لاعقلانية الممارسة الغربية. وما لم يخطر ببال هؤلاء أن عقلانية الغرب ودفاعه عن حقوق الإنسان ليسا مطلقين وأنهما لا ينصرفان لحقوق الإنسان العربي أو المسلم على سبيل المثال. وأن العقلانية تدور في إطار المصالح الإستراتيجية الغربية، التي تم تحديدها بطريقة ليست بالضرورة عقلانية وإنما من خلال مقولات قَبْلية متمركزة حول الغرب، معظمها عنصري.
٥ ـ قامت الدولة الصهيونية باعتبارها تعبيراً عن مشروع استيطاني إحلالي عليه أن يلجأ إلى الحد الأقصى من العنف ليتخلص من السكان الأصليين، بما في ذلك الإبادة والطرد والعزل. وقد سمت هذه الدولة نفسها «الدولة اليهودية» فربطت بين اليهودي والعنف والإرهاب.
والأسوأ من هذا أن هذه الدولة ادَّعت أنها تتحدث باسم كل يهود العالم أينما كانوا، ومن ثم فهي تتحدث باسم يهود البلاد العربية، بل تطالب بالتعويضات باسمهم، فكأن الدولة الصهيونية تنكر أن أعضاء الجماعات اليهودية مواطنين في بلادهم، وتدعم الصورة الإدراكية العرْقية أن اليهودي لا انتماء له وأنه يدافع عن مصالحه اليهودية وحسب.
هذه هي بعض الأسباب التي أدَّت إلى هيمنة الرؤية التآمرية على إدراكنا لليهود في العالم العربي وإلى ذيوع البروتوكولات وغير ذلك من كتابات عنصرية تهدف إلى تفسير الواقع بشكل سريع سهل وإلى تفريغ شحنة الغضب عند كثير من العرب. ولكن تفريغ الشحنة هنا بهذه الطريقة له جوانبه السلبية العديدة، والمطلوب هو أن نفهم أسباب الغضب ونحاول استثماره في إطار مشروع نضالي إنساني يهدف إلى تصفية الجيب الاستيطاني الصهيوني ولا يسقط في العنصرية العمياء.