كان هايدجر يتصور أن النازية هي روح العالم المتجسدة التي ستزاوج بين التكنولوجيا والثقافة ("رسالة الشعب الألماني") . وهو لم يكن مخطئاً تماماً في تصوره، فقد قام النازيون بالفعل بمزاوجة التكنولوجيا والثقافة الألمانية، بل إنهم كانوا يرون أن التكنولوجيا هي التعبير البراني عن إرادة القوة الألمانية، وكانوا يرون أن ألمانيا بوجودها بين روسيا والولايات المتحدة أصبح بوسعها أن تزاوج بين التكنولوجيا وروح الشعب، فالتكنولوجيا الألمانية تنبع من أعماق الحضارة Kultur الألمانية. وهي روح مطلقة لا تتقيد بأية قيم بورجوازية، روح لا متناهية لا تعرف سوى القيم الجمالية. وهكذا أمسك بروميثيوس الجديد بالنار، مسلحاً بحس جمالي عميق وبشهية لا تعرف الحدود وبإدراك للذات كمطلق، فأحرق الأخضر واليابس. وقد أدرك هايدجر تدريجياً أن هذا الالتحام النازي بين الذات والموضوع وبين التكنولوجيا والثقافة، خارج إطار المنظومات الأخلاقية، هو في واقع الأمر مرض وليس حلاً. ولكن إدراكه هذا ظل مقصوراً على الحالة النازية وحسب، ولهذا لم يراجع منظومته الفلسفية.
ولا تمثل رؤية هايدجر العلمانية الإمبريالية الشاملة انحرافاً عن مسار الحضارة الغربية الحديثة، فهي جزء من نمط عام متكرر يتمثل في التأرجح بين الذات والموضوع، وفي حسم هذا الصراع لصالح الموضوع أو لصالح الموضوع متجسداً في الذات الإمبريالية، كما يتمثل الانتقال التدريجي من العقلانية المادية إلى اللاعقلانية المادية التي تتضح في تقديس هيجل للدولة البروسية (إله يسير على الأرض!) وأفكار نيتشه الداروينية عن إرادة القوة وميول ياسبرز النازية والتوجهات النازية والصهيونية لبول دي مان تلميذ هايدجر النشيط المخلص.
والنازية ما هي إلا تجلٍ متبلور لهذا الاتجاه حين أصبح الدازاين الألماني الجمعي هو الفولك الذي تجسد في هتلر واحد وأصبح الآخرون مثل أيخمان، منفذين عاديين تسير وراءهم الملايين.