للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - كانت عملية تحييد المصطلح بداية عملية تحييد كامل للإدراك، فالمصطلح المحايد للغاية يقترب من المصطلح العلمي الدقيق المنفصل عن القيمة، إذ لا توجد فيه عواطف حُب أو كُره، وهو يحاول أن يصف الظاهرة من الخارج باعتبارها مجرد موضوع، دون أن يعطيها أي معنى إنساني داخلي أو أية قيمة خاصة، بحيث ينظر الموظف النازي أو الألماني إلى الضحية وكأنه ينظر إلى موضوع وحسب؛ حركة مادية خارجية ومادة استعمالية خام خاضعة للإجراءات. وقد كان المشرفين على عمليات الإبادة المختلفة يتم تدريبهم على التحلي بالبرود والتجرد للحفاظ على الحياد وكفاءة الأداء. وقد حذَّرت القيادة النازية من استخدام العنف بلا مبرر، فقد كانت تدافع عما سماه أحد المؤرخين «الإرهاب الرشيد» (أدان بن جوريون "تعذيب العرب بلا مبرر"أثناء حرب ١٩٤٨، وهو ما يعني أن التعذيب الرشيد مسموح به) . وفي إحدى خطبه بيَّن هتلر أن " الإبادة الشاملة لابد أن تُنفَّذ ببرود وبطريقة نظيفة... وأن تصفية العناصر المطلوب تصفيتها لابد أن يتم بطريقة محايدة دون أي نزعات سادية (فمثل هذه النزعات تدل في واقع الأمر على العنف الإنساني الذي يتنافى مع المثل الأعلى النازي) . ولذا كان على رؤساء معسكرات الاعتقال أن يوقِّعوا إقراراً كل ثلاثة شهور بأنهم لم يسيئوا معاملة المساجين". وفي خريف عام ١٩٤٢ أعلن هملر أن إطلاق النار على اليهود لأسباب شخصية (أو صادية أو جنسية) يعاقب عليها القانون بالإعدام. وكان الجنود الألمان ممنوعين من إساءة معاملة الضحايا حتى وهم في طريقهم إلى أفران الغاز، لأن هذا يعني شكلاً من أشكال الانفعال والانغماس العاطفي الذي يتنافى مع الحياد العلمي، والتجرد من العواطف والتحيزات والقيم أمر أساسي ومطلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>