وتتضح المفارقة في تلك الزيارة التي قام بها أحد كبار الضباط الألمان لوالده الذي كان قد نُقل إلى أحد معسكرات الاعتقال والسخرة. وقد حرص الضابط على أن يرتدي النياشين والأوسمة التي مُنحت له بسبب مشاركته في الحملات العسكرية التي شنها النظام النازي، هذا النظام الذي كان يقوم بإبادة أعضاء كثير من الأقليات الإثنية والدينية، ومن بينهم أعضاء الجماعات اليهودية.
إن المفارقة هنا تدل على حس عملي عميق مستعد لتجاوز كل الأفكار المسبقة للتعامل بكفاءة مادية بالغة مع الواقع العملي وتجاوز الميتافيزيقا والمطلقات والكليات. وحينما وجد النازيون فرصة للاستفادة من أعضاء الجماعات اليهودية، هذه المادة البشرية الاستعمالية النافعة، لم يترددوا في تعديل عقائدهم الدينية العرْقية نفسها.
١١ ـ ولكن إلى جوار المادة البشرية الاستعمالية النافعة التي تُجرى عليها التجارب وتُدرس بعناية وموضوعية وحياد، كانت هناك المادة التي لا يُرجى منها نفع أو الضارة من منظور النازيين، وكان أمثال هؤلاء يُبادون ببساطة شديدة من خلال عمليات التصفية الجسدية السريعة، التي تقوم بها جماعات خاصة أو فرق متنقلة تقف وراء خطوط الجيوش الألمانية (بالألمانية: آينساتس جروبين Einsatzgruppen) . وكانت طريقة الإبادة هذه سريعة وغير مكلفة إذ كانت تُقام مقابر جماعية يُلقى فيها بالضحايا بعد أن يحفروها بأنفسهم. كما كانت الإبادة تتم أحياناً بواسطة سيارات مجهزة بحجرة غاز يتم التخلص فيها من الضحايا دون حاجة إلى نقلهم إلى معسكرات الإبادة. وقد تم التخلص بهذه الطريقة من جرحى الحرب الألمان ممن لا يُرجى لهم شفاء أو ستتكلف عملية تمريضهم الكثير، كما تمت إبادة أعداد كبيرة من أعضاء النخبة الثقافية البولندية، والفائض السكاني الروسي.