الإدراك ـ كما أسلفنا ـ ليس مجرد عملية تسجيل لكل المعطيات الحسية التي ترد للعقل ومراكمة لها، والعقل نفسه ليس أداة كفئاً لتحقيق ذلك، لأنه أداة محدودة مبدعة فعالة ولأن الواقع مركب فإن عملية الإدراك تصبح عملية انتقاء وصياغة، وهو ما يعني استحالة الوصول إلى المعرفة الموضوعية المطلقة أو معرفة الأسباب في علاقتها بالنتائج بشكل صارم. وهذا يعني، في واقع الأمر، حتمية استخدام النماذج إن أراد الإنسان تجاوز الرصد التوثيقي المباشر الأبله المستحيل، وإن أراد تجاوز وجوده المادي المباشر حيث يتماس الجهاز العصبي بالواقع المادي بشكل مباشر (وكأن كل المعرفة هي مثل معرفة الطفل الذي لا يُدرك النار إلا باحتراق أصابعه، وكأننا كلنا مثل كلب بافلوف الشهير) .