ومن أهم الجيتوات جيتو وارسو الذي بلغ عدد القاطنين فيه عام ١٩٤١ حوالي نصف مليون يهودي يعيشون في رقعة صغيرة حولها حائط ارتفاعه ثمانية أقدام، وكان له اثنان وعشرون مدخلاً يقف على كلٍّ منها ثلاثة جنود، أحدهم ألماني والثاني بولندي مسيحي والثالث بولندي يهودي. وكان التعريف الذي تبناه الألمان للهوية اليهودية هو تعريف قوانين نورمبرج وهو أن اليهودي يهودي بالمولد وليس بالعقيدة (وهو التعريف الذي تبنته فيما بعد دولة إسرائيل والذي يستند إليه قانون العودة الصهيوني) .
ويجب النظر إلى تجربة الجيتو هذه في ضوء المخطط النازي ذي الطابع الصهيوني الواضح الذي ينطلق من تصور استقلال اليهود كشعب عضوي منبوذ له شخصيته القومية المستقلة. ولذا كان للجيتو مؤسساته المستقلة الخاصة به (عملة خاصة ـ وسائل نقل خاصة ـ خدمة بريدية ـ مؤسسات الرفاه الاجتماعي) . كما سُمح لجيتو وارسو بأن يكون له نظامه التعليمي، وبأن يفتح المكتبات لبيع الكتب واستعارتها، وبأن يصدر جريدته اليومية بل كان له ميليشيا ومحاكم خاصة به، أي أن الجيتو كان بمثابة دولة صغيرة منعزلة ثقافياً واقتصادياً عما حولها، وهو بهذا استمرار لتقاليد القهال والإدارة الذاتية والشتتل التي يمجدها الصهاينة في كتاباتهم، وهو يشبه في كثير من الوجوه الدولة الصهيونية المشتولة في الشرق الأوسط.