وقد قام أحد الباحثين بدراسة إحصائية دقيقة لهذه الإبادة التدريجية البطيئة (عن طريق التجويع) مستخدماً جيتو وارسو أساساً لدراسة الحالة. فأشار إلى أن الفترة من ١٩٣٩ إلى ١٩٤٢، أي خلال ستة وثلاثين شهراً، شهدت زيادة عدد الوفيات بشكل ملحوظ. فحسب معدل الوفيات بين أعضاء الجماعة اليهودية قبل الحرب كان من المفروض أن يكون عدد الوفيات ١٢.٦٠٠ في العام. ولكن الجوع والمرض (وكذا غارات الحلفاء وأحكام الإعدام) أدَّت معاً إلى موت ٨٨.٥٦٨ ألفاً في العام، وهو عدد يشكل ١٩% من مجموع سكان جيتو وارسو البالغ عددهم خمسمائة ألف، الأمر الذي يعني أنه كان من الممكن اختفاء كل سكان الجيتو خلال ثمانية أعوام دون أفران غاز. ويمكن أن نضيف أن هذه العملية كانت ستتسارع في السنوات الأخيرة بسبب زيادة ضعف وهزال سكان الجيتو، ومن ثم، فإن خمس أو ست سنوات كانت كافية في تصوُّرنا لإتمام هذه العملية.
وكانت علاقة الدولة النازية بدويلة/جيتو وارسو علاقة كولونيالية لا تختلف كثيراً عن علاقة إنجلترا بمستعمراتها أو علاقة الدولة الصهيونية بالسلطة الفلسطينية في غزة وأريحا (كما يتخيلها الصهاينة) . وربما كان الفارق الأساسي هو درجة التحكم، إذ أن جيتو وارسو كان كياناً صغيراً متخلفاً، ومن ثم كان بالإمكان التحكم فيه بدرجة كاملة أو شبه كاملة، على عكس الضفة الغربية وغزة حيث يوجد كيان حضاري مركب يعود إلى أعماق آلاف السنين ويتسم بتجذره، كما أن سكان " المناطق " المحتلة لم يتوقفوا قط عن المقاومة. وكل هذا جعل التحكم في فلسطين المحتلة بعد عام ١٩٦٧ أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
ويدل سلوك الإسرائيليين تجاه السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا أنهم استبطنوا هذا الجانب من تجربة يهود أوربا مع النازية. فهم يحاولون أن تكون علاقتهم مع هذه السلطة تشبه في معظم الوجوه علاقة الحكم النازي بالسلطة اليهودية في جيتو وارسو أو مستعمرة تيريس آينشتات.