ومما ساعد على ذلك، نزوع البروتستانت نحو الخلط بين المقدَّس والتاريخي وبين المطلق والنسبي. فالوجدان البروتستانتي دائب البحث عن قرائن وإشارات (مادية) من الإله، ودائم الانتظار للرؤي (أبوكاليبس) التي تتحقق داخل التاريخ، وهذا جزء من نزعته الحرفية. وهذه الرؤية صهيونية في بنيتها، فهي رؤية تنكر التاريخ المتعيِّن، وتنتقل بسهولة من العهد القديم إلى فلسطين وبالعكس، وهي تحوِّل اليهود المعاصرين إلى شعب الإله المختار، الذي له حقوق أزلية في أرض الميعاد. ومما يجدر ذكره أن الأسطورة الاسترجاعية هي أسطورة صهيونية ومعادية لليهود في آن واحد. فهي ترى أن الخلاص لا يتم إلا بتحقيق عودة اليهود إلى وطنهم وتنصيرهم، أي التخلص منهم عن طريق التهجير والتنصير. وما حدث بعد ذلك في الاستعمار الاستيطاني هو إقرار أن الخلاص يتم عن طريق التخلص من اليهود بتهجيرهم، أما التنصير فلم يعد أمراً ذا بال في المجتمع العلماني الغربي الحديث.