وقد تزامن ظهور البروتستانتية وحركة الإصلاح الديني مع تزايُد النشاط التجاري الرأسمالي في المجتمعات الغربية. ويرى ماكس فيبر أن ثمة علاقة تبادلية بين الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية الرشيدة) فالبروتستانتية هنا هي «تهويد» للمجتمع المسيحي بالمعنى الذي استخدمه ماركس) . وقد كان اليهود جماعة وظيفية وسيطة تعمل بالتجارة والأعمال المالية مثل الربا، وهو ما زاد من أهميتها ونشاطها في المجتمع وخروجها عن هامشه وتحركها نحو مركزه. وقد وجد اليهود المارانو، المطرودون من شبه جزيرة أيبريا الكاثوليكية ومن محاكم التفتيش، ملجأ في الدول والمدن البروتستانتية مثل أمستردام وهامبورج ولندن وغيرها. ولم تَعُد الجماعات اليهودية تنفرد بكونها الأقليات الدينية في المجتمع، إذ كانت توجد الفرق البروتستانتية في الدول الكاثوليكية والفرق الكاثوليكية في الدول البروتستانتية التي كان أعضاؤها يواجهون رفضاً ومقاومة عنيفة أكثر من تلك التي كان يواجهها أعضاء الجماعة اليهودية. ففي أمستردام التي كان يُقال لها القدس الثانية، كان المجتمع البروتستانتي هناك يرحب باليهود ويضطهد الكاثوليك. وقد حاول المفكر الهولندي هيوجو جروتيوس (من منظِّري فكرة القانون الدولي العام والقانون الطبيعي) أن يُعرِّف المصادر المشتركة بين المسيحية واليهودية في بحثه المعنون حقيقة الدين المسيحي فبيَّن أن الفرق المسيحية (الكاثوليكية أو البروتستانتية) كان يُنظَر لها باعتبارها مصدر خطر حقيقي داخلي يفوق كثيراً الخطر اليهودي، فاليهود جماعة معزولة ضعيفة قليلة العدد وهامشية، وكان المجتمع يجيد التعامل معها. كما ظهرت فرق بروتستانتية متطرفة، كالمعمدانيين، هدَّدت البناء السياسي والاجتماعي ذاته، فضلاً عن أنها كانت ذات جذور جماهيرية راسخة.