للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذهب ماكس فيبر إلى أن اليهودية، بوصفها ديانة توحيدية، قامت بدور أساسي في عملية الترشيد. فديانات الشرق الأقصى الحلولية الكمونية تهدف إلى أن يصبح المؤمن في حالة اتزان مع نفسه ومع الطبيعة ومع الخالق. وهي تختزل المسافة بين الإنسان من جهة والإله والطبيعة من جهة أخرى، فهي ديانات ترى الإله حالاًّ في الطبيعة والإنسان كامناً فيهما. أما الديانات التوحيدية فهي تخلق مسافة بين الخالق والمخلوق إذ أن الخالق متجاوز للطبيعة والإنسان منزَّه عنهما، ولذا لم يَعُد هدف المؤمن هو توازن علاقته مع نفسه ومع الدنيا وعالم الطبيعة وإنما التحكم فيها. ويرى فيبر أن هذه المحاولة للتحكم في الذات والعالم، باسم مَثَل أعلى موحَّد، هي خطوة أولى نحو الترشيد. واليهودية، باعتبارها أولى الديانات التوحيدية، لعبت (حسب تصوره) دوراً حاسماً في هذا المضمار، فهو يرى مثلاً أن السحر يعوق التقدم وترشيد الحياة الاجتماعية والاقتصادية. واليهود هم أول من تحرروا من نير السحر، فقد أسقطوا الآلهة المختلفة وحولوها إلى شياطين لا قداسة لها. ويعود هذا إلى تبنِّي اليهودية لما سماه فيبر «الروح الشعبية أو الجماهيرية» التي تتلخص رؤيتها فيما يلي:

١ ـ صاغت الروح الشعبية فكرة العدالة الإلهية (بالإنجليزية: ثيوديسي theodicy) وهي قضية لماذا خلق الإله العادل الشر. والرد اليهودي على هذه القضية رد عقلاني، فالإله كيان عقلاني رشيد، ويأتي بأفعال ذات دوافع عقلانية مفهومة للإنسان، والإنسان كيان حر مسئول عما يقترفه من آثام وعما يأتيه من أفعال خيِّرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>