ثمة انفصال، إذن، بين الإله والتاريخ من جهة والطبيعة من جهة أخرى. ولا تنتمي الشرائع والأخلاق التي يهتدي الإنسان بهديها لعالم الطبيعة الكوني، فهي أوامر من الخالق يتم تنفيذها في المجتمع داخل الزمان. ولكل هذا، يرى برجر، مثله مثل فيبر، أن الرؤية اليهودية تذهب إلى أن حياة الفرد والأمة يجب أن تسخَّر في خدمة الإله بشكل منهجي ومنظم حسب القواعد التي أرسل بها، وبذلك يكون قد تم ترشيد الأخلاق الإنسانية بفصل الإنسان والأخلاق عن عالم الطبيعة، ومن ثم تم استبعاد التعاويذ والصيغ السحرية كوسائل للخلاص.
والمتتالية الكامنة في كتابات فيبر وبرجر، والتي تربط بين التوحيد والعلمنة من خلال عملية الترشيد، هي كما يلي: ثورة توحيدية على الواحدية الكمونية الكونية ـ الإيمان بالإله الواحد المتجاوز للطبيعة والتاريخ (المرجعية المتجاوزة) ـ الإيمان بمقدرة الإنسان على تجاوز واقعه وذاته ـ انعدام التوازن بين الذات والطبيعة ـ ترشيد (أي إعادة صياغة) عملية الخلاص وحياة المؤمن، وأخيراً العالم بأسره، في ضوء الإيمان بالإله الواحد (المبدأ الواحد) لاسترجاع شيء من التوازن ـ عدم التعامل مع الواقع بشكل ارتجالي وإنما بشكل منهجي بهدف التحكم فيه لخدمة الإله أو المبدأ الواحد (ترشيد تقليدي متوجه نحو القيمة) ـ اختفاء القيمة والمقدرة على التجاوز وظهور الترشيد المتحرر من القيم والمتوجه نحو أي هدف يحدده المرء (الترشيد الإجرائي) ـ وهذا النوع من الترشيد يتم دائماً في واقع الأمر في إطار الطبيعة/المادة والإنسان الطبيعي/المادي (المرجعية الكامنة) - العلمنة الكاملة.