للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المتتالية التي نقترحها هي عكس المتتالية التي يقترحها فيبر وبرجر فليس التوحيد هو الذي يؤدي إلى العلمانية وإنما الحلولية الكمونية. ولعل الضعف الأساسي في متتالية فيبر وبرجر هو أنها لا تفسر لم وكيف تم الانتقال من الترشيد التقليدي في إطار المرجعية المتجاوزة والمتوجهة نحو القيمة إلى الترشيد الإجرائي في إطار المرجعية الكامنة والطبيعة/المادة، فهما يقفزان من خطوة إلى التي تليها دون أن يبينا الأسباب.

وقد تمت عملية القفز هذه لأن كلاًّ من فيبر وبرجر، ومنظّري علم الاجتماع الغربي ككل، لم يستطيعوا التمييز بين الواحدية المادية الحلولية الكمونية التي تسقط الثنائيات والمطلقات والمركز من جهة، والتوحيد (بما يحوي من تجاوز وثنائية) من جهة أخرى. ولعل هذا يعود، في حالة فيبر وبرجر إلى أن خلفيتهما الدينية الغربية جعلت نموذجهما التحليلي غير قادر على رصد هذا الفرق الدقيق والجوهري. فقد سيطرت رؤية حلولية كمونية على الفكر الديني المسيحي الغربي. وهذه الرؤية ذات أصل بروتستانتي وجذور غنوصية، ولكنها هيمنت على الوجدان الديني المسيحي الغربي. وقد أدت هذه الرؤية إلى تأرجح حاد بين رؤية للإله الواحد باعتباره مفارقاً تماماً للعالم (إلى حد التعطيل) يتركه وشأنه مثل إله إسبينوزا، فيصبح العالم كتلة موضوعية صماء بلا معنى ولا هدف (التمركز حول الموضوع) ، أو هو إله حالٌّ تماماً لا ينفصل عن الذات الإنسانية (التمركز حول الذات) . وفي كلتا الحالتين لا توجد علاقة بين الإله وبين العالم، فهو إما مفارق تماماً له أو حالّ كامن فيه تماماً، أي أنها إثنينية أو ثنائية صلبة وليست ثنائية تكاملية. وإن كان يمكن القول بأن الأمر الأكثر شيوعاً الآن في الغرب هو فكرة الإله الحال والكامن في الطبيعة والإنسان. وهو أمر متوقع تماماً، فالمسيحية الغربية تعيش في تربة علمانية كمونية. ولذا، اختفى الإله المفارق حتى حد التعطيل في القانون الطبيعي، ولم يبق

<<  <  ج: ص:  >  >>