أما الحلولية الكمونية فأمرها مختلف تماماً، وهي التي تخلق في تصوُّرنا قابلية للعلمنة، فالحلولية لها شكلان: وحدة الوجود الروحية، ووحدة الوجود المادية. ووحدة الوجود، سواء في صيغتها الروحية أو في صورتها المادية، رؤية واحدية تَرُدُّ الواقع بأسره إلى مبدأ واحد هو القوة الدافعة للمادة الكامنة فيها التي تتخلل ثناياها وتضبط وجودها، وهو يُسمَّى «الإله» في منظومة وحدة الوجود الروحية ويُسمَّى «قوانين الحركة» في وحدة الوجود المادية، وحينما يُردُّ العالم إلى هذا المبدأ الكامن تسقط كل الثنائيات ويتحوَّل العالم إلى كل مصمت لا يعرف أية فجوات أو أي انقطاع، ويصبح الإنسان جزءاً لا يتجزأ منه، غير قادر على تجاوزه.
والمتتالية التي نقترحها لتفسير علاقة الحلولية بالعلمانية هي ما يلي: واحدية كونية ترد العالم بأسره إلى مبدأ واحد كامن فيه ـ ترادُف الإله والطبيعة والإنسان وإنكار التجاوز - عالم يحكمه قانون واحد وحالة اتزان بل وامتزاج والتحام بين الإنسان الطبيعي/المادي والطبيعة/المادة ـ سيادة القانون الطبيعي (المادي) وترشيد (إعادة صياغة) البشر والمجتمع حسب مواصفات هذا القانون - العلمنة الشاملة. وعملية الترشيد والتجريد في إطار حلولي كموني تؤدي إلى الواحدية الكونية المادية التي تسقط كل الثنائيات وتؤدي إلى هيمنة المبدأ الطبيعي/المادي الواحد. وتستمر عملية التجريد لا تحدها حدود أو قيود. بل إن الإطار الحلولي الواحدي يساعد على سرعة اتجاهها إلى نقطة الواحدية المادية حيث يصبح المبدأ الواحد كامناً تماماً في العالم الطبيعي وتختفي الثنائيات وتسقط المسافات ويُختزَل العالم إلى مستوى طبيعي واحد أملس لا يمكن تجاوزه، مكتف بذاته، يحوي داخله كل ما يلزم لفهمه ويتحرك حسب قانون صارم مطرد كامن في داخله.