للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذ التحديث شكلين أساسيين. أحد هذين الشكلين سياسي مباشر، وهو ما يُطلَق عليه الإعتاق، أي منح اليهود حقوقهم المدنية والسياسية نظير أن يدينوا بالولاء للدولة التي عرَّفت القومية على أساس لا ديني (عرْقي أو إثني) ، وهو الأمر الذي خلق عند اليهود أزمة هوية، حيث إن تعريف الشريعة لليهودي على أنه من تهود أو من وُلد لأم يهودية يتضمن عناصر إثنية شبه قومية تتناقض مع فكرة الولاء الكامل للدولة ولقيمها الحضارية والسياسية في حياتهم العامة (على أن يحتفظوا بقيمهم الإثنية والدينية في حياتهم الخاصة إن شاءوا) . كما أخذ التحديث شكلاً اجتماعياً واقتصادياً أكثر عمقاً، مثل تشجيعهم على الاشتغال بالزراعة وتحريم اشتغالهم بالربا أو التجارة وغير ذلك من المحاولات والأشكال.

وقد تأثر أعضاء الجماعة اليهودية بهذا المناخ الثقافي وبالتحولات الاجتماعية التي واكبته، فيُلاحَظ أن الهوة التي تفصل بينهم وبين بقية أعضاء المجتمع أخذت تضيق بسرعة حتى اختفت تماماً في بعض البلاد مثل دول غرب أوربا والولايات المتحدة. وبالتالي، تحوَّلت القضية بالنسبة إلى اليهود من قضية حقوق ومزايا خاصة يحصلون عليها، كما كان الأمر من قبل، إلى قضية إعتاق واندماج، إذ أن الاندماج (حسب افتراض فكر الاستنارة والليبرالية) سيحل مشكلة الحقوق بشكل آلي. ولكن الأمور لم تكن بالبساطة التي تصوَّرها مفكرو عصر الاستنارة، فالجماعات اليهودية كان لها خصوصيتها المرتبطة بدورها كجماعة وظيفية وسيطة متميِّزة إثنياً ووظيفياً. لذا، لم تكن عملية الانتقال هينة أو سهلة، خصوصاً أن الفكر القومي العضوي انتشر في أوربا، وهو فكر استبعادي يطرح تصوراً للدولة القومية لا مجال فيه للتعدد الإثني أو الديني، ولا مكان فيه للأقليات.

<<  <  ج: ص:  >  >>