أن دورهم كجماعة وظيفية مالية نافعة لم يَعُد لازماً.
وقد كان وضع اليهود مستقراً تماماً داخل المجتمعات الغربية كجماعة وظيفية وسيطة ذات نَفْع واضح. ولكن هذا الوضع بدأ في التقلقل مع التحولات البنيوية العميقة التي خاضها المجتمع الغربي ابتداءً من القرن السابع عشر وظهور الثورة التجارية. ولم يَعُد بالإمكان الاستمرار في الدفاع عن وجود اليهود من منظور فكرة الشعب الشاهد (الدينية) . فظهرت فكرة العقيدة الألفية أو الاسترجاعية التي تجعل الخلاص مشروطاً بعودة اليهود إلى فلسطين. ولكن هذه الأسطورة ذاتها لا تزال مرتبطة بالخطاب الديني، ولم يكن مفر من أن يتم الدفاع عن اليهود على أسس لادينية علمانية، كما لم يكن بد من طرح أسطورة شرعية جديدة ذات طابع أكثر علمانية ومادية. ومن ثم، ظهرت فكرة نَفْع اليهود للدولة، هذا المطلق العلماني الجديد، فتم الدفاع عن عودة اليهود إلى إنجلترا في القرن السابع عشر من منظور النفع الذي سيجلبونه على الاقتصاد الإنجليزي، حيث نُظر إليهم كما لو كانوا سلعة أو أداة إنتاج. وكان المدافعون عن توطين اليهود يتحدثون عن نقلهم على السفن الإنجليزية بما يتفق مع قانون الملاحة الذي صدر آنذاك ويجعل نَقْل السلع، إلى إنجلترا ومنها، حكراً على السفن الإنجليزية. كما أن كرومويل فكر في إمكانية توظيفهم لصالحه كجواسيس. وعمل اليهود في تلك المرحلة في وسط أوربا كيهود بلاط، وهم جماعة وسيطة يستند وجودها أيضاً إلى مدى نَفْعها.