للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النموذج أداة تحليلية يتمكن الدارس من خلالها من الاقتراب من جوهر الظاهرة بحيث يمكنه أن يعرف ما هو جوهري فيها وما هو فرعي، وما هو نماذجي وما هو عرضي. ونحن نطلق على ما هو عرضي اصطلاح «قول» أو «أقوال» بمعنى أنها مجرد كلمات زخرفية لا تُعبِّر عن حقيقة النموذج. ولكن ثمة مشكلة عميقة تواجهنا أثناء التحليل النماذجي لظاهرة ما أو لنص ما، وهو وجود عناصر نرى أنها لا تتفق مع جوهر هذا النص أو الظاهرة مع أنها "موجودة" بالفعل. ولنضرب مثلاً بالإمبريالية والصهيونية: الصهيونية والإمبريالية حركتان سياسيتان تهدفان إلى اغتصاب أرض الآخر وإلى إبادته أو طرده أو تسخيره. ومع هذا كان الإنسان الغربي يتحدث عن العبء الحضاري الواقع على كاهله (بالإنجليزية: وايت مانز بردين white man's burden) أو رسالته الحضارية (بالفرنسية: مسيون سيفيلاتريس mission civilatrice) ، وعن رغبته العارمة في أن يُحضر النور إلى الشرق ليبدد الظلمات. وكان الصهاينة كثيراً ما يثرثرون عن: التعاون مع إخوتهم العرب وضرورة مساعدة الشرق على النهوض، وتحقيق الحلم الصهيوني دون إلحاق أي أذى بالعرب. بل كانوا يزعمون أن بالإمكان إقناع العرب بالطرق الديموقراطية بمشروعية الحلم الصهيوني. ولا تزال الدعاية الصهيونية مستمرة في هذه الثرثرة وفي تلك المزاعم. ومع خطاب ألقاه رئيس للولايات المتحدة أثناء حرب الخليج، تَحوَّل الاستعمار العالمي (القديم) الذي ينهب العالم بطريقة منهجية منظمة إلى نظام عالمي جديد يحاول إقامة العدل.

فعلى أي أساس يمكننا أن نقرر أن العنف والاستغلال والبطش هي السمات النماذجية الإمبريالية والصهيونية، وأن ما قد تدعيانه من تسامح، بل ما قد تقومان به من أفعال خيِّرة لا يشكل الجوهر، فهو مجرد "قول" أو "أقوال"؟

أعتقد أن بالإمكان إزالة اللبس عن طريق خطوتين:

<<  <  ج: ص:  >  >>