ويجب التمييز بين المسألة اليهودية في العصر الحديث من جهة، وبين المذابح التي كانت تُدبَّر ضد أعضاء الجماعة اليهودية في الماضي من جهة أخرى. ورغم أن كلاًّ من الظاهرتين ينبع من أساس واحد وهو كون اليهود جماعة وظيفية وسيطة، فإن أوجه الاختلاف بين الظاهرتين أساسية وجوهرية، فالمذابح التي دُبِّرت ضد أعضاء الجماعة اليهودية حتى بداية القرن السابع عشر تقريباً كانت، في كثير من الأحيان، من قبيل الثورة الشعبية ضد جماعة وظيفية إثنية تُشكِّل أجزاء من الطبقة الحاكمة وتُعَدُّ أداتها. أما المسألة اليهودية الحديثة، فهي مرتبطة بظهور الرأسماليات المحلية وتآكل دور الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية "نافعة" وتحولها إلى فائض بشري ومحاولة الدولة القومية التخلص من هذا الفائض البشري عن طريق دمجه أو تصديره أو تحويله إلى عنصر بشري نافع. وهي عملية لم تكن مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية وإنما كانت تسري على أعضاء الجماعات الإثنية والدينية الأخرى في المجتمع، أي أنها مرتبطة بآليات وحركيات خاصة بالمجتمع الغربي بعد تآكل النظام الإقطاعي وانتقاله من الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد الرأسمالي، وأخيراً بالتشكيل الإمبريالي الغربي. ويجب الانتباه إلى أن مسألة يهود شرق أوربا في القرن التاسع عشر ليست مسألة فريدة، فهي نمط متكرر في معظم المجتمعات التي تنتقل من النمط الزراعي التقليدي في الإنتاج إلى النمط الحديث. وعلى هذا، توجد مسألة هندية أو عربية في أفريقيا، ومسألة إيطالية أو يونانية في مصر، ومسألة صينية في جنوب شرق آسيا، ولعل التشابه بين المسألة الصينية في الفلبين والمسألة اليهودية في بولندا أمر ملحوظ بشكل ما ويستحق الإشارة إليه. لقد كان أعضاء الجماعة الصينية يشكلون جماعة وظيفية وسيطة فكانوا يعملون وسطاء بين المستعمرين الإسبان والعنصر الفلبيني المحلي، تماماً كما كان اليهود وسطاء بين النبلاء البولنديين (الشلاختا) والفلاحين