٣ ـ كانت روسيا دولة تحكمها ملكية مطلقة، ولذا فإن مؤسسات الحكم فيها لم تكن مؤسسات حديثة قادرة على مساعدة الأقليات على الانتقال من مرحلة تاريخية إلى أخرى. بل ربما كان الوضع في روسيا أكثر سوءاً من غيرها من الدول لضخامتها وفساد موظفيها الذين كانوا في العادة مرتشين لا يؤمنون بأهمية العمل الذي يقومون به ولا يدركون أبعاده التاريخية والاجتماعية. وحتى حينما كانت تتوافر النية الصادقة، لم تكن هذه البيروقراطية تمتلك الأدوات اللازمة لترجمة الأفكار الإصلاحية إلى واقع اجتماعي جديد. ولذا، فإن اليهود، الذين كانوا راغبين بإخلاص في أن يخضعوا لعملية التحديث، وجدوا أنفسهم مواجَهين بمؤسسات هزيلة ليس لديها الإمكانات المطلوبة. ويمكن أن نضرب مثلاً بمحاولة بعض أعضاء الجماعة اليهودية الاستجابة إلى محاولات تحديثهم عن طريق العمل بالزراعة (ليخرجوا بذلك من مسام المجتمع الإقطاعي ويدخلوا في قطاع المهن المنتجة) ؛ غير أن هذه المحاولة ارتطمت ابتداءً بحقيقة أن الجماعة اليهودية كانت من الجماعات القومية الروسية التي ليس لها أرض. وتم التغلب على هذه العقبة بأن خصصت الدولة القيصرية مساحات من الأرض لتوطينهم. ولكن، لم تكن هناك خطة واضحة للتوطين، فحين تقدمت عدة أسر يهودية عام ١٨٠٦ إلى حاكم مقاطعة موخيليف لتوطينها في إحدى المناطق المخصصة لهم، لم يتم ذلك إلا بعد مفاوضات طويلة، فاتفق وزير الداخلية مع حاكم الولاية على أن يخصص لهم ستون ألف إيكر (يعادل الإيكر نحو أربعة آلاف متر مربع) من أراضي الإستبس على ضفاف أحد الأنهار. وبعد معاينة الموقع، تقدَّمت نحو ٧٧٩ أسرة يهودية للاستيطان هناك. ولكن الحكومة لم تقدِّم لهم سوى مساعدات مالية ضئيلة للغاية أنفقها المستوطنون الجدد وهم بعد في الطريق. وعند وصولهم إلى المكان المحدد لهم، وجدوا أن السلطات لم تكن على استعداد لاستقبالهم، وفتكت بهم الأمراض. ومع هذا، فقد استمر تدفُّق اليهود إلى أن