ويمكننا أن نميِّز، من منظور مدى انتشارها ونجاحها وإخفاقها، بين نمطين أساسيين في حركة التنوير. فهناك نمط غربي في ألمانيا والنمسا وجاليشيا حيث حققت مُثُل التنوير نجاحاً ملحوظاً، ونمط شرقي في روسيا (بولندا أساساً) حيث لم تنجح هذه المُثُل كما كان مقدراً لها. وكلمة «غربي» هنا هي الكلمة التي أطلقها يهود شرق أوربا (الأوست يودين) أو يهود اليديشية على يهود ألمانيا والنمسا ووسط أوربا. وقد أدَّى نجاح مُثُل التنوير بين يهود الغرب وإخفاقها النسبي في الشرق إلى انقسام العالم الغربي، فكان يهود الغرب المندمجون يشعرون بالخوف من يهود اليديشية وأحياناً يشعرون تجاههم بالاحتقار، في حين كان يهود الشرق يشعرون بأن يهود الغرب فقدوا هويتهم وأنهم يتشبهون بالأغيار بشكل يبعث على الضيق وأحياناً الاشمئزاز. وهو انقسام انعكس داخل الحركة الصهيونية فيما بعد وتبدَّى في انقسامها إلى صهيونية استيطانية (في شرق أوربا) وصهيونية توطينية (في وسطها وغربها) . ويعود الاختلاف بين النمطين إلى اختلافات في المحيطين اللذين وُجد فيهما أعضاء كل جماعة. ويُلاحَظ أن عملية التحديث حققت قدراً من النجاح في بلاد الغرب، وخلقت فرصاً للحراك الاجتماعي أمام أعضاء الجماعات اليهودية. أما في شرق أوربا، فقد تأخر التحديث ثم تعثَّر بل توقَّف بعض الوقت، وهو ما أغلق أبواب الحراك الاجتماعي أمامهم.