ولذا، فعلى حين كانت توجد شرائح اجتماعية كبيرة في الغرب تطمح إلى الاندماج في المجتمع غير اليهودي لم توجد مثل هذه الشرائح في الشرق وظل دعاة التنوير قلة قليلة. ومن هنا نجد أن دعاة التنوير في الغرب كانت لديهم طموحات الانتماء إلى النخبة غير اليهودية وهي طموحات لم تصل في الشرق إلى الدرجة نفسها من القوة. وكان اليهود في ألمانيا يمتلكون الخبرات والأموال التي تؤهلهم للانخراط في المجتمع الجديد الذي كان مستعداً لأن يستفيد منهم. أما في روسيا، فقد ارتبط أعضاء الجماعة هناك بحرف، مثل التجارة البدائية والربا والخمور، أو بوظائف هامشية لم تَعُد مطلوبة. ولذا، فقدت حركة التنوير في الغرب قشرتها اليهودية، في حين تحولت هذه القشرة إلى محارة في الشرق. وأدَّى هذا الوضع إلى استقطاب داخل الجماعة اليهودية في الشرق، فكان دعاة التنوير عادةً من الأثرياء أو البورجوازيين أو المرتبطين بهم حيث كان بوسعهم أن يستفيدوا اقتصادياً من عملية الدمج والتغريب، وهذا مقابل الجماهير اليهودية البورجوازية الصغيرة التي كان الاندماج يعني بالنسبة إليهم الهبوط في السلم الاقتصادي إلى مرتبة العمال. وتتميَّز الجماعات اليهودية في الغرب بصغر عددها، وهو ما سهَّل عملية دمج أعضائها. أما في شرق أوربا، فكانت الكتلة البشرية اليهودية ضخمة. ومما زاد الطين بلة الانفجار السكاني الذي حدث في صفوفها في القرن التاسع عشر، ويمكن القول بأنه كانت هناك جماهير يهودية في الشرق ولم تكن توجد جماهير في الغرب. وساعد ذلك أيضاً على ألمنة يهود ألمانيا، إذ أن الكتابة العبرية كانت تعني كتابة بلا جماهير، بينما نجد أنه برغم صغر حجم قراء العبرية في الشرق كان هناك أعداد لا بأس بها من طلبة المدارس التلمودية العليا (اليشيفا) الذين يعرفون العبرية. ومما ساهم في عدم انتشار مُثُل التنوير في روسيا وبولندا على عكس ألمانيا أن المحيط الثقافي الذي أحاط بيهود ألمانيا (بلد