للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ ـ ستؤدي عملية اكتشاف اليهودية إلى اكتشاف خصوصيتها وقوانينها العضوية. وسيؤدي اكتشاف الخصوصية إلى إظهار الشخصية اليهودية المستقلة وإنجازاتها الحضارية، الأمر الذي سيعيد لليهود هويتهم واحترامهم أمام الشعوب الأوربية. كما أن اكتشاف هذه الخصوصية سيقوي وعي اليهود بأنفسهم وتراثهم وهويتهم المستقلة ووعيهم بذاتهم القومية.

فكأن الهدف الثاني مناقض تماماً للهدف الأول. وقد اكتسب الهدف الثاني إلحاحاً غير عادي نظراً لتزايد انصراف الشباب من اليهود عن اليهودية بعد حركة الإعتاق والدمج ونظراً لبعدهم عن تراثهم الديني بل احتقارهم اليهودية (وهذا أمر لم يكن مقصوراً على الشباب من اليهود فالموقف نفسه كان شائعاً بين كل شباب أوربا مع تزايد معدلات العلمنة) . وأدَّى كل ذلك إلى تراجُع اليهودية وإلى انصهار اليهود، ومن ثم أصبح اكتشاف التراث ضرورة ملحة لوقف هذا التراجع وهذا الانصهار، أي أن هذه العملية كانت، من هذا المنظور، تصدياً لحركة الإصلاح الديني ولليهودية الإصلاحية. وبالتدريج، أصبح الهدف الأساسي من الاكتشاف ليس الدراسة وإنما تقديس التراث. وبالتالي، نجد أن علم اليهودية مرتبط باليهودية المحافظة. ومع هذا، كان لمفكري اليهودية الإصلاحية بعض الإسهامات في هذا الحقل (والفكر الديني الإصلاحي اليهودي تعبير عن الجانب العقلي العقلاني في فكر حركة الاستنارة) . ولم يكن من الممكن أن تنشأ حركة علم اليهودية من داخل المدارس التلمودية العليا (يشيفا) ، حيث إن خريجي هذه المعاهد الدينية لم يكونوا مُعَدِّين الإعداد الثقافي اللازم لكتابة دراسات تاريخية أو اجتماعية في التراث الديني. ومن هنا نجد أن كل المشتغلين في حقل علم اليهودية من خريجي المدارس التي أسستها الحكومات الغربية التي كانت مقرراتها غير دينية أو مُختلَطة (أي دينية دنيوية) .

<<  <  ج: ص:  >  >>