أما في العالم الغربي، فقد كان الأمر جد مختلف، إذ لعب أعضاء الجماعات اليهودية فيه دوراً محدَّداً بارزاً الأمر الذي حدا بكثير من المفكرين الغربيين، مثل كارل ماركس وماكس فيبر ووارنر سومبارت، إلى دراسة قضية العلاقة الخاصة بين أعضاء الجماعات اليهودية وظهور الرأسمالية في العالم الغربي وتطوُّرها ومدى مساهمتهم فيها. وأصبحت القضية نفسها إشكالية أساسية في الفكر الاشتراكي وأدبيات معاداة اليهود والفكر الصهيوني ذاته. وتُركِّز الأدبيات الخاصة بهذه الإشكالية على عنصرين أساسيين يربطان بين أعضاء الجماعات اليهودية والعقيدة اليهودية من جهة، والرأسمالية من جهة أخرى:
١ ـ تجربة الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية داخل التشكيل الحضاري الغربي (دون تسمية المصطلح بطبيعة الحال (.
٢ ـ النسق الديني اليهودي ذاته. ولا يميِّز ماركس وفيبر وسومبارت بين اليهودية واليهود (خصوصاً ماركس الذي يكاد يفترض ترادفهما (.
ويؤكد فيبر أهمية العنصر الديني (الفكر الديني اليهودي) على حساب العناصر التاريخية. أما سومبارت، فإنه يؤكد أهمية العنصرين معاً، ولكنه يعطي لأطروحته الخاصة بمسئولية اليهود (خصوصاً المارانو) عن ظهور الرأسمالية صفة الحتمية بل والعرْقية إذ يرى وجود علاقة سببية بسيطة بين اليهود والرأسمالية.
ويميِّز المفكرون الثلاثة بين شكلين من أشكال الرأسمالية:
١ ـ رأسمالية المجتمعات التقليدية أو الإقطاعية والتي يُسمِّيها ماركس «الرأسمالية الشكلية» ، ويسميها فيبر «الرأسمالية المنبوذة» ، ويسميها سومبارت «الرأسمالية التجارية» . ويستخدم ماركس وإنجلز المصطلح الأخير أيضاً (ونسميها نحن في مصطلحنا «الجماعة الوظيفية الوسيطة» ) .
٢ ـ رأسمالية المجتمعات الحديثة والتي يُسمِّيها ماركس «الرأسمالية الصناعية أو الحقيقية» ، ويسميها فيبر «الرأسمالية الرشيدة» ، ويُطلق عليها سومبارت مصطلح «رأسمالية الاستثمارات» .