ويتسم الشكل الأول بأنه رأسمالية تعمل بنَقْل البضائع من مجتمع إلى آخر، أما نشاطها فيتركز على عمليات التبادل دون أن تقوم بإنتاج أية سلع جديدة ولا تُضيف أي فائض قيمة. أما الشكل الثاني، فإنه يقوم بالاستثمار والمخاطرة وإنتاج السلع الجديدة. ولذا، نجد أن مركز الرأسمالية الأولى هو سوق الأوراق المالية، أما الثانية فمركزها المصنع. ومن ثم، نجد أن الرأسمالية الأولى هي مجرد جيب رأسمالي (تجاري مالي) في المجتمع الإقطاعي يعيش فيه وبه، على نقيض الرأسمالية الحقيقية التي تُولَد في المدينة خارج المجتمع الإقطاعي وتقف على الطرف النقيض منه وتقضي عليه في نهاية الأمر. وقد ربط هؤلاء المفكرون بين أعضاء الجماعة اليهودية من جهة والرأسمالية التجارية من جهة أخرى. ولعل هذا من أهم أسباب عدم تحدُّد وضع اليهود داخل الحضارة الغربية من وجهة نظرهم، فهم ممثلون لقوى رأسمالية ولكنها رأسمالية المجتمع الإقطاعي. ولذا ارتبط وجودهم في الأذهان بعدة قوى متناقضة: الطبقات الحاكمة التقليدية، والقوى الرأسمالية المعادية لها، ثم القوى الثورية التي وقفت ضد الفريقين.
ويمكننا أن نحيل القارئ إلى المداخل الثلاثة (في هذا القسم) عن ماركس وإنجلز ثم فيبر وسومبارت، ونؤكد على أهمية ما قاله فيبر بشأن محاولة تفسير ظاهرة عدم إسهام اليهود في نشأة الرأسمالية الرشيدة رغم أن اليهودية لعبت دوراً أساسياً في ترشيد الحضارة الغربية.
وفي محاولتنا رصد دور الجماعات اليهودية في ظهور الرأسمالية سنفرِّق بين العقيدة اليهودية من جهة والجماعات اليهودية من جهة أخرى. كما سنحاول الابتعاد عن طرح أي تصور خاص بوجود علاقة سببية واضحة بين اليهود وظهور الرأسمالية في الغرب. وسيكون نموذجنا التفسيري لهذه العلاقة هو مفهوم الجماعة الوظيفية الوسيطة.