للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس بإمكان الدارس المدقق إنكار أن النسق الديني اليهودي، في صياغته الأولى التوراتية، ثم في صياغاته التلمودية ثم القبَّالية، يحوي داخله استعداداً كامناً أو قابلية لظهور الرأسمالية، وهذا جانب وفَّاه فيبر حقه من الدراسة. ولكن من الواضح أن فيبر لم يكن ملماً بالتحولات العميقة التي دخلت اليهودية بعد هيمنة الفكر القبَّالي عليها وانتشار التصوف بين أعضاء الجماعات أو لعله لم يدرك أهميتها. والقبَّالاه اللوريانية فكر حلولي (روحي) متطرف يضع اليهودي في مركز الكون باعتباره امتداداً للخالق ويعمق من إحساس اليهودي بأنه من الشعب المختار، كما يُصعِّد حدة التوقعات المشيحانية. فالحلولية تعني حلول الإله في الأشياء حتى يتوحَّد بها ولا يُوجَد مستقلاً عنها فتصبح المخلوقات في قداسة الخالق مساوية له فتُرَدُّ كل الأشياء إلى مبدأ واحد، كامن في المادة ولا يعلو عليها، وكل هذا يساعد على تزايُد معدلات العلمنة. أما النزعة المشيحانية والإحساس بالاختيار فهي عناصر تعزل اليهودي عن واقعه المباشر وعن الجماعات الإنسانية المحيطة به فيصبح عنصراً موضوعياً وشخصاً غريباً، وهذه صفات أساسية تخلق استعداداً كامناً لدى صاحبها لتبنِّي أخلاقيات الرأسمالية المجردة والسوق الحر الذي يرى كل الظواهر باعتبارها خاضعة تماماً لآليات العرض والطلب. وتَجدُر الإشارة إلى أن العلاقة بين التصوف (الحلولي) والتجارة أمر مثير للغاية ويحتاج إلى مزيد من الدراسة، وبخاصة في ضوء علاقة الجماعة الوظيفية بالرؤية الحلولية للكون (المكان والزمان والإنسان) ومركب الشعب المختار (انظر: «الجماعات الوظيفية والحلولية الكمونية الواحدية» ) .

دور الجماعات اليهودية في ظهور الرأسمالية

The Role of the Jewish Communities in the Emergence of Capitalism

<<  <  ج: ص:  >  >>