وبظهور النظرية المركنتالية، زاد الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات اليهودية داخل النظام الرأسمالي. فهذه النظرية تجعل مصلحة الدولة المبدأ الأعلى المقبول لدى الجميع، والإطار المرجعي بحيث يتم الحكم على الإنسان لا بحسب انتمائه الديني وإنما بمدى نفعه للدولة. وقد ظهرت في هذه الفترة فكرة مدى نفع اليهود وفُتح المجال أمامهم للإسهام في جميع النشاطات الاقتصادية. وابتداءً من منتصف القرن السابع عشر، استعان الملوك والأمراء في وسط أوربا (في ألمانيا وغيرها من الدول) باليهود في كثير من النشاطات الاقتصادية، مثل: التجارة الدولية، وتمويل الجيوش، وعقد القروض والصفقات. وهؤلاء هم الذين يُطلَق عليهم مصطلح «يهود البلاط» .
لكل ما تقدَّم، نجد أن تاريخ الجماعات اليهودية في الغرب مرتبط بتاريخ الرأسمالية في كثير من الوجوه. ومن الملاحظ أن كثيراً من الدول التي كانت لها مشاريع تجارية أو استعمارية، كانت ترى أن العنصر اليهودي عنصر أساسي في هذه العملية ويمكن الاستفادة من خبراته ورأسماله كما يمكن توظيفه في أماكن نائية وجديدة، فهو عنصر حركي وحسب. وقد تم توطين اليهود في بولندا في القرن الثالث عشر مع التجار الألمان، لتشجيع الاقتصاد التجاري. ثم تم توطينهم في أوكرانيا بعد ضمها إلى بولندا للسبب نفسه. كما تم توطين اليهود في كثير من المستعمرات الاستيطانية والمراكز التجارية التابعة لإنجلترا وهولندا في العالم الجديد.