ولكن، ورغم أهمية الدور الذي لعبه أعضاء الجماعات اليهودية كخميرة ساعدت في نشوء الرأسمالية الحديثة الرشيدة، فإنهم كجماعة وظيفية وسيطة ظلوا مرتبطين بالطبقة الحاكمة في المجتمعات الإقطاعية تابعين لها يخدمونها ويخدمون مصالحها. فالتجارة والربا اليهوديان، أي ما يسميه فيبر «رأسمالية المنبوذين» ، لم يشكلا نقيضاً للمجتمع الإقطاعي وإنما خلية داخله. ولذا، كانت هذه التجارة اليهودية تقع ضحية عملية ظهور الرأسمالية الرشيدة المحلية رغم أنها ساهمت هي نفسها في الإعداد لها وتخميرها وإن كانت ساهمت أيضاً في قمعها وتأخير ولادتها كما حدث في بولندا. وربما يكون من المفيد في هذا المضمار أن نفرق بين الدور الذي لعبه أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا في قمع الرأسمالية المحلية وبين الدور الذي لعبه أعضاء الجماعة اليهودية في هولندا وإنجلترا وفرنسا في تطويرها. ولكن أعضاء الجماعات اليهودية، سواء أكانوا أداة قمع في بولندا أم كانوا أداة للتطوير في هولندا، ظلوا دائماً أداةً وحسب لخدمة هدف ما. وهم، في هذا، يشبهون الجماعات الوظيفية الوسيطة في كل مكان. ولقد كانت جيوب اليونانيين والإيطاليين في مصر تمثل عنصراً تجارياً نشيطاً حيث بنوا المصانع، مثل مضارب الأرز ومطاحن الدقيق، ولكنهم لم يغامروا قط في الصناعة الثقيلة أو تلك التي تتطلب استثمارات ضخمة بعيدة المدى. فقد ساهموا في حركة التصنيع التي ساعدت على نشوء طبقة رأسمالية محلية، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه يحاولون وقف نموها من خلال الهيمنة الاستعمارية. ثم تزايدت قوة الطبقة الجديدة بالتدريج، فطردت الجماعات الوظيفية الوسيطة الغربية لتتولى هي كل النشاطات التجارية والاستثمارية ثم الصناعية.
أثر الرأسمالية الرشيدة فى الجماعات اليهودية
The Impact of Rational Capitalism on the Jewish Communities