بعد تناول الدور الذي لعبه أعضاء الجماعات اليهودية في تكوين الرأسمالية والاقتصاد التجاري، يمكننا الآن أن نترك المرحلة التكوينية لنرى أثر ظهور الرأسمالية (الرشيدة) عليهم ومقدار إسهامهم في الاقتصاد الرأسمالي ذاته. وسنلاحظ أن دور يهود غرب أوربا يختلف عن الدور الذي لعبه يهود وسط أوربا وشرقها. ويعود هذا إلى معدلات النمو الرأسمالي في هذه البلاد وإلى علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالمجتمع ككل ووضعهم فيه. ففي فرنسا وإنجلترا وهولندا لعب اليهود دوراً ثانوياً، أو لنقل دور الجزء في الكل الاقتصادي الأكبر الذي كان قد اكتسب كثيراً من ملامحه الرأسمالية الحديثة في غيبة أعضاء الجماعات اليهودية، وكان لهذه الدول مشاريعها الاستعمارية الضخمة، ولذا لم يلعب أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلاد سوى دور جزئي منشط.
أما في شرق أوربا، فلم تكن المجتمعات الأوربية هناك متطورة بما فيه الكفاية ولم يُقدَّر للرأسمالية الرشيدة التي نشأت في مرحلة متأخرة أن تتطور، كما لم يكن لديها مشروع استعماري مهم. وانتهى الأمر بأن حل النمط الاشتراكي في الإنتاج محل النمط الرأسمالي. ولهذا، انخرط أعضاء الجماعات اليهودية هناك إما في الطبقة العاملة وإما في الطبقة البورجوازية الصغيرة. وكان من بينهم كذلك رأسماليون ولكنهم كانوا نسبة صغيرة.