للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي وسط أوربا، وبخاصة في ألمانيا، ظهر النظام الرأسمالي الذي أخذ يتطور بسرعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتبلور لألمانيا مشروعها الاستعماري الخاص، وكان أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون عنصراً مهماً في عملية التطور الرأسمالي هذه. ولكن الرأسمالية الألمانية تم ضربها وتم كذلك ضرب مشروعها الاستعماري ثم تحوَّلت ألمانيا نفسها إلى ما يشبه المستعمرة بعد اتفاقية فرساي (١٩١٩) . وحينما عاودت ألمانيا محاولة التصنيع مرة أخرى، لم يتم ذلك حسب النمط الرأسمالي الحر وإنما تم بتدخل الدولة، وقد راح رأس المال الذي يملكه بعض أعضاء الجماعات اليهودية ضحية هذه العملية.

ويتضح تباين معدلات إسهام أعضاء الجماعة في نمو الرأسمالية من بلد إلى آخر من خلال علاقتهم بالمدن ومدى تركُّزهم فيها. فظهور المدن وازدياد أهميتها كان يعني أن الوظائف المالية والتجارية الهامشية القديمة أصبحت تحتل المركز. وقد صاحب ذلك تحوُّل في وَضْع أعضاء الجماعات اليهودية، فبدلاً من كونهم عنصراً بشرياً متحركاً يحمل رأس مال متحركاً ويتحرك على أطراف المجتمع، تحوَّلوا إلى عنصر بشري يقطن المدينة في داخل المجتمع وليس على هامشه، أي أنهم أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني. وأتاح ظهور الرأسمالية فرصة أمام رأس المال الذي يمتلكه يهود (ومن ثم فإنه قد اتسم بدرجة عالية من الحركية) لدخول الاقتصاد الجديد بنسبة أعلى من رأس المال المحلي (غير اليهودي) الثابت المُستثمَر في العقارات والمزارع، وهو الأمر الذي تم إنجازه في إنجلترا وفرنسا ثم ألمانيا. أما في شرق أوربا، فرغم أن تركُّز أعضاء الجماعة اليهودية في المدن قد ازداد، فإن السياق الطبقي لهذه العملية كان مختلفاً، فقد ساهم وجودهم في المدن في تحويل أعداد منهم إلى طبقة عاملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>