للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صياغة النموذج التفسيري التحليلي عملية مركبة وإبداعية تتضمن عمليات عقلية عديدة متنوعة ومتناقضة. فالنموذج لا يوجد من العدم أو من أعماق الذات وثناياها وحدها (كما قد يتراءى للبعض) ، وإنما هو ثمرة فترة طويلة من ملاحظة الواقع والاستجابة له ومعايشته والتفاعل معه ودراسته والتأمل فيه وتجريده وبعد التوصل إلى نموذج يتم اختباره وإثراؤه وإعادة اختباره (إلى ما لا نهاية) . إن النموذج كأداة تحليلية يربط بين الذاتي والموضوعي ولذا يمكن القول بأن عملية صياغة النموذج تجمع بين الملاحظة الإمبريقية واللحظة الحدسية، وبين التراكم المعرفي والقفزة المعرفية، وبين الملاحظة الصارمة والتخيل الرحب، وبين الحياد والتعاطف، والانفصال والاتصال. وهو يفتح مجال البحث العلمي من خلال الخيال الإنساني ومقدرته على التركيب وعلى اكتشاف العناصر والعلاقات الكامنة، ولكنه في الوقت نفسه يكبح جماح هذا الخيال بأن يجعل النتائج خاضعة للاختبار، وهي مسألة تقع خارج ذاتية من صاغ النموذج. وبدون كل هذه العمليات المركبة، يحل محل النموذج التحليلي المركب فرضية اختزالية شائعة (أي نموذج اختزالي شائع) ، وتصبح الملاحظة عملية اختزال للواقع ويصبح البحث عملية توثيق أفقية مملة، هي تأييد للأطروحات السائدة في حقل ما.

<<  <  ج: ص:  >  >>