- تبدأ عملية صياغة النموذج بإدراك أن المعطيات الحسية في ذاتها لا تقول شيئاً، وأن المعلومة ليست النهاية وإنما البداية، وأنها ليست حلاًّ للإشكالية وإنما هي الإشكالية ذاتها. فإن قُلت إن زيداً ضرب عمراً فهذا مجرد خبر يحتمل الصدق أو الكذب في ذاته كما يقول البلاغيون العرب. ولا يمكن إقرار مدى صدقه أو أهميته أو دلالته، كما لا يمكن فهمه في ذاته، فهو حدث مادي محض. كما لا يمكن التعميم منه، فهو يكاد يكون دالاً دون مدلول (كلاماً دون معنى) . أو ذا معنى خاص جداً أو معنى عام جداً، تماماً كما لو قُلت "فستان أحمر" و"قطة زرقاء" ولن يُضير كثيراً إن أضفت و"كلب أخضر".
- ينطبق نفس الشيء على أي نص (قصيدة ـ إعلان ـ خبر صحفي) ، فرسالته ليست أمراً بسيطاً يوجد في السطح وفي المعنى المباشر للكلمات، فهي ليست مجرد كلمات مرصوصة جنباً إلى جنب.
- يجب أن يُدرك الباحث أنه لا يأتي للنص أو للظاهرة بعقل يشبه الصفحة البيضاء، وإنما بعقل مُثقل بالإشكاليات والأنماط والتساؤلات، عقل له مسلماته الكلية والنهائية، وهذا ما سماه بروفسير ديفيد كارول David Carroll «ما قبل الفهم» (بالإنجليزية: بري أندرستاندنج pre-understanding) ، وهذا لا يعني بالضرورة السقوط في الذاتية، بل بالعكس فإدراك الباحث أنه يأتي للظاهرة وللنص مسلحاً (أو مثقلاً) ببعض الأفكار والتساؤلات والتحيزات والمسلمات، يجعله قادراً على الاحتفاظ بمسافة بينه وبينها وإخضاعها للتساؤل وتجاوزها إن ظهر عجزها التفسيري. كما أن إدراكه لوجود مقولات قَبْلية كامنة فيما قبل الفهم أو الفهم المسبق تمنعه من أن يسقط صريع المقولات العامة المهيمنة التي نقبلها باعتبارها حقائق كلية نهائية (مثل التقدم ـ الصراع ـ البقاء) ولا نُخضعها للتمحيص. ومعظم هذه المقولات في حالتنا مستوردة من العالم الغربي، ولذا وصف أحد الباحثين هذه الحالة بأنها «إمبريالية المقولات «.