ويمكننا الآن أن نضرب مثلاً بإحدى الظواهر ولتكن واقعة ضرب زيد لعمرو، حيث يمكن أن نرصد عدد المرات التي ضرب فيها زيد عمراً، ويمكن أن نسأل هل يضرب زيد عمراً أم أنه يضرب آخرين أيضاً؟ وما السمة الأساسية في هؤلاء الذين يضربهم زيد؟ ونبدأ في تجربة هذه العناصر ونسأل: هل من يضربهم زيد من الفقراء أم هم من الأغنياء؟ من السود أم من البيض؟ من الذكور أم من الإناث؟ وهل الضرب يتم كل يوم أم في فصول معيَّنة؟ ثم بعد قراءة كُتب التاريخ، نسأل: لم استولى جد زيد على أرض عمرو؟ هل هناك علاقة بين الضرب والاستيلاء على الأرض؟ وما مصلحة زيد من الناس في عملية البطش المستمرة هذه؟ هل يدرك كل من زيد وعمرو طبيعة علاقتهما؟ هل يقبلانها، أم أن عمراً يرفضها ويتمرد عليها؟ ما الرؤية الكامنة للكون في هذه العلاقة؟ هل يريد زيد أن يجعل من عمرو مادة استعمالية يوظفها لحسابه؟ وهل يرى عمرو نفسه باعتباره مادة أم يرى نفسه باعتباره بشراً كاملاً؟
ولنضرب مثلاً بنصين مكتوبين، وهما حديثان شريفان: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار، فلا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". أما الحديث الثاني فهو قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"بينما رجل يمشي، فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له. قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر"(أي في كل حي من الحيوان والطير ونحوهما) .