الإنسانية. وهذا هو الذي أدَّى إلى تخبُّط السياسة السوفيتية بعض الوقت، وإلى عدم حسم المسألة اليهودية في الاتحاد السوفيتي إلا من خلال التطورات الاقتصادية للمجتمع الاشتراكي (ككل) خارج إطار الحلول النظرية المطروحة وبدون هدي كبير منها.
وقد انطلق لينين من تعريف محدد للأمة استقاه من كارل كاوتسكي، وهو أن الأمة جماعة لابد أن تكون لها أرض تتطوَّر عليها، الأمر الذي لم يكن متوافراً لليهود، ولابد أن تكون لها لغة مشتركة، وهو الأمر الذي توافر ليهود شرق أوربا وحدهم. ولكن لينين، مع هذا، لم ينظر إلى يهود شرق أوربا بوصفهم وحدة مستقلة داخل التشكيل السياسي الروسي والتشكيل الحضاري لشرق أوربا منفصلة عن يهود العالم. ولذا، فقد ناقش القضية من منظور أعلى نقطة تعميم فتساءل: هل اليهود، بشكل عام ومجرد، وفي كل زمان ومكان، يُشكِّلون قومية أم لا؟ وهل هناك وحدة عالمية تنتظم كل اليهود؟ وهل هناك خصوصية مقصورة عليهم أو لا؟ والإجابة على مثل هذا السؤال البسيط بسيطة للغاية، وهي أن كل اليهود بطبيعة الحال لا يشكلون قومية، وأنه لا وجود لأية وحدة بين يهود ألمانيا وبولندا وفرنسا وإنجلترا. فيهود فرنسا يتحدثون الفرنسية، ويهود إنجلترا يتحدثون الإنجليزية، ويهود ألمانيا يتحدثون الألمانية، ويهود شرق أوربا كانوا يتحدثون اليديشية، ويتحدث يهود القوقاز عدة لغات، ولكل جماعة يهودية موروثها الثقافي ووضعها الاقتصادي المتميِّز الذي تحدِّده حركيات المجتمعات التي يعيش في كنفها أعضاء الجماعات اليهودية. والخلل يكمن في درجة التعميم التي ينطوي عليها السؤال، فهو لا يتفق مع طبيعة الظاهرة وتنوُّعها وعدم تجانسها.