وقد تركت التحولات الاجتماعية الضخمة في روسيا والنمسا أثرها في أعضاء الجماعات اليهودية، إذ فقد كثير من الحرفيين اليهود وظائفهم بظهور الصناعة الحديثة، وكذا التجار والمرابون اليهود الذين كانوا مرتبطين بالاقتصاد الزراعي. كما أن البورجوازيات الصاعدة والدولة القومية المطلقة التي كانت تريد السيطرة على كل جوانب الإنتاج، حرَّمت على اليهود العمل في بعض الوظائف التي كانوا يضطلعون بها كجماعة وظيفية، مثل صناعة الكحول والاتجار فيها. وأدَّى هذا الوضع إلى وجود عمالة يهودية ضخمة لا تمتلك وسائل الإنتاج وليس لديها رأس مال كاف الأمر الذي جعلها تنخرط في صفوف الطبقات العاملة، وكانت هذه العملية صعبة بعض الشيء في أوربا الشرقية بسبب الميراث الاقتصادي والتقاليد السائدة. أما العناصر المهاجرة، وهي عناصر أكثر حركية في العادة، فلم تجد صعوبة شديدة في التحول إلى عمال بسبب عدم وجود عوائق نفسية أو حضارية أو قانونية، وإن كان الميراث الاقتصادي ووضعهم كمهاجرين قد وجههم نحو قطاعات معينة دون غيرها. ومن الأمور التي تستحق التسجيل أن الصناعات التي كان يملكها يهود داخل منطقة الاستيطان استفادت في بداية الأمر من العمالة اليهودية. أما في الولايات المتحدة، فقد نجح أصحاب مصانع النسيج من اليهود من أصل ألماني في أن يستفيدوا من العمالة اليهودية الوافدة واستغلوها استغلالاً كاملاً فيما يُسمَّى «ورش العَرَق» . وقد بلغ عدد العمال من أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا، قبل الحرب العالمية الثانية، مليوناً ونصف المليون من مجموع يهود العالم البالغ عددهم نحو ستة عشر مليوناً، منهم: ٤٠٠ ألف في الولايات المتحدة، و٣٠٠ ألف في الاتحاد السوفيتي، و٣٠٠ ألف في بولندا، و١٠٠ ألف في فلسطين، و٤٠٠ ألف في البلاد الأخرى مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا والمجر ورومانيا وبلدان أمريكا اللاتينية. ويُلاحَظ أن هذه الأرقام تشير إلى العمال وحسب، ولا تشير إلى كل