للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن دراسة العناصر اليهودية باعتبارها عناصر مكملة، دون أن تكتسب مركزية تفسيرية. انطلاقاً من هذا نطرح نموذجاً تفسيرياً مشتقاً من الحضارة الغربية الحديثة ومن تطوُّر العقيدة اليهودية داخلها فنشير إلى أن العقيدة اليهودية أصبحت عقيدة حلولية كمونية بعد هيمنة القبَّالاه عليها منذ القرن الرابع عشر، وأن الميراث الحلولي للمثقفين اليهود في العصر الحديث (ابتداءً بإسبينوزا وانتهاء بدريدا) ، ساهم ولا شك في جعلهم أكثر استعداداً لقبول الحضارة الغربية الحديثة، بحلوليتها وكمونيتها. ويمكن أن نشير إلى تصاعُد معدلات العلمنة بين الجماعات اليهودية بدرجات تفوق المعدل السائد في المجتمع الغربي (كما هو الحال دائماً مع الأقليات) . ويمكن أن نشير كذلك إلى أن إحساس أعضاء الجماعات اليهودية بالغربة وعدم الأمن (كما هو الحال أيضاً مع أعضاء الأقليات) جعلهم تربة صالحة وخصبة لتقبُّل الحضارة الغربية الحديثة. ويمكن أخيراً أن نذكر أن موقف كثير من المثقفين اليهود يتسم بأنه موقف نقدي جذري من الحضارة الغربية، يتسم بالشك المعرفي والأخلاقي وسيطرة الفلسفات العدمية. كل هذه العناصر اليهودية ساهمت ولا شك في أن تجعل المثقفين اليهود أكثر استعداداً لتقبُّل الحضارة الغربية الحديثة وأكثر قدرة على التعبير عنها ـ أي أن البُعد اليهودي في ثقافة المثقف اليهودي الغربي قد يُفسِّر حدة نبرته وجذريتها وعمق عدميتها وحلوليتها. كما قد يُفسِّر تزايُد عدد المثقفين اليهود من الثوريين والعدميين ودعاة العقلانية المادية، ولكنه لا يُفسِّر بأية حال ظهور المنظومة الحضارية الغربية الحديثة العقلانية المادية، فهذا مرتبط بآليات المجتمع الغربي، الثقافية والاقتصادية. بل إننا نذهب إلى أن بروز أعضاء الجماعات اليهودية في الحضارة الغربية الحديثة، ناجم عن انتمائهم إلى هذه الحضارة واندماجهم فيها واستيعابهم لها لا انعزالهم عنها، ويتزايد بروزهم بمقدار تخليهم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>