هذا هو وضع «الثقافة اليهودية» بالنسبة للمستوطن الصهيوني. أما بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية في العالم، فمن الممكن تقسيمهم إلى قسمين أساسيين: أعضاء الجماعات اليهودية ممن احتفظوا بثقافتهم المحلية (وعلى رأسهم يهود اليديشية) ، ويهود العالم الغربي المندمجين حضارياً في مجتمعاتهم وبقية اليهود في العالم. ولنبدأ بالقسم الأول. أسهم النازيون وكذلك الحرب العالمية الثانية في تصفية المراكز السكانية اليهودية في بولندا (وغيرها) والتي كانت تزدهر فيها الثقافة اليديشية. ويُلاحَظ كذلك أن اليديشية آخذة في الضمور في روسيا وأوكرانيا، رغم اعتراف الاتحاد السوفيتي بها كلغة قومية، وذلك بسبب معدلات الاندماج السريع وإحجام أعضاء الجماعة اليهودية عن الهجرة إلى مقاطعة بيروبيجان التي أعلنت أن لغتها القومية هي اليديشية، وفي نهاية الأمر بسبب إحساسهم بأن هذه اللغة لا مستقبل لها (ولذا، فإنهم لا يشجعون أولادهم على تعلُّمها) . والوضع نفسه يسري على الولايات المتحدة حيث حمل إليها المهاجرون اليهود اليديشية. فالصحف والجرائد اليديشية آخذة في الانقرّاض ولم يبق منها سوى صحيفة واحدة ومجلة أو مجلتين يتناقص عدد قرّائها. كما أن معهد الدراسات اليديشية (ييفو) في نيويورك يعاني من أزمة مالية دائمة لا يخرجه منها سوى معونات الحكومة الأمريكية. ويعود هذا إلى أن أبناء المهاجرين يفهمون اليديشية ولكنهم لا يتحدثونها في العادة. أما أبناء الجيل الثالث فهم ينسونها تماماً ولا يبقى منها سوى ذكرى، إذ أن الجميع يود الاندماج بسرعة في المجتمع الجديد ويود تحقيق حراك اجتماعي أهم شروطه، في مجتمع تعاقدي مثل المجتمع الأمريكي، هو تملُّك ناصية اللغة مثل أهلها. وأعضاء الجماعة اليهودية لا يختلفون في هذا عن بقية جماعات المهاجرين (الإيطاليين أو البولنديين أو الألمان أو الروس) وإن كان من الملاحَظ أنهم كانوا من أوائل الجماعات المهاجرة التي فقدت اللغة التي