أما يهود الغرب المندمجون، فقد تبنَّت الصهوينية تجاههم إستراتيجية مختلفة بسبب طبيعة العلاقة الخاصة مع حكومات الدول الغربية التي لا يمكن اتهامها بالاضطهاد والإبادة وبسبب حاجة الصهيونية إلى يهود الغرب، وخصوصاً يهود الولايات المتحدة باعتبارهم عنصر ضغط سياسي ودعم مالي. وأخذت هذه الإستراتيجية شكل محاصرة إعلامية تؤكد أطروحة الهوية اليهودية والثقافة اليهودية المستقلة، ومهاجمة كل كاتب أو مؤلف يهودي يحاول أن يُعبِّر عن هويته القومية المتعينة كأمريكي أو إنجليزي أو فرنسي، باعتبار أنه يتسم بالجبن، وأنه منقسم على نفسه. كما تأخذ هذه الحملة شكل تأكيد أية جوانب يهودية كامنة أو واضحة في كتابات أي مؤلف يهودي. وقد أنكر شاجال ذات مرة، في مجلة تايم، أن رسومه يهودية بالمعنى العام للكلمة، وأصر على هويته الروسية الفرنسية، فانهالت عليه عشرات الخطابات تؤكد يهوديته، مع أن من المعروف أن اليهودية تُحرِّم التصوير، وأن الفنون التشكيلية لم تزدهر بين أعضاء الجماعات اليهودية عبر تواريخهم إلا في داخل التشكيل الحضاري الغربي في القرن التاسع عشر بعد علمنة اليهود وبعد اندماجهم في الحضارة الغربية الحديثة. وتُنظَّم حملات شرسة ضد كاتب أمريكي، مثل فيليب روث، تتهمه بأنه يعامل هويته اليهودية باستخفاف شديد، بل يخضعها للنقد والتمحيص والتشريح (كما يفعل الكُتَّاب الأمريكيون مع كل شيء) . وقد وصف الكاتب الأمريكي اليهودي سول بلو نفسه بأنه أمريكي وفيٌّ لتجربته ولثقافته الأمريكية، كما ذكر أن لغته هي الإنجليزية وتربيته أمريكية وأنه لا يمكن أن يرفض ستين عاماً من حياته في الولايات المتحدة. وأضاف قائلاً:«إن اصطلاح «كاتب يهودي» هو اصطلاح سوقي ومُبتذَل من الناحية الفكرية، ويفرض قيوداً ضيقة دون جدوى، ولا فائدة منه على الإطلاق» . وتعبِّر روايات بلو عن هذه التجربة الأمريكية (ولكنه، مع هذا، كان عليه أن يكتب كتيباً عنصرياً صهيونياً عن