للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسم بيسارو في الثمانينيات لوحات بها أشخاص، ولكنه فعل ذلك بطريقة جديدة. فالفلاحون في هذه اللوحات مُستوعَبون تماماً في أنفسهم ولا يحاولون أن يقصوا قصته. كما رسم بيسارو صوراً شخصية (بورتريهات) لأعضاء أسرته (زوجته وأمه) . وفي عام ١٨٩٤، أُصيب بيسارو بمرض في عينيه منعه من الرسم في الخلاء، ولكنه استفاد من مرضه هذا فكان يجلس في غرفة وينظر من النافذة إلى مناظر المدينة الحية وشوارعها فرسم الميناء والكباري والكاتدرائيات ومعمار المدينة، وكان يرسم المنظر الواحد عدة مرات في أوقات مختلفة (تماماً مثل مونيه في سلسلة لوحات «أكوام القش» التي رسمها في الفترة نفسها) . وكان بيسارو يغيِّر محل إقامته حينما يشعر أنه استنفد المنظر الذي أمامه، وفي هذه الفترة (التي امتدت حتى نهاية حياته) رسم ما يزيد على ٣٥٥ لوحة. ويعتبر بيسارو من مؤسسي فن الليثوجراف.

ويرى بعض النقاد أن أعمال بيسارو تتسم بعدم الاتساق في المستوى، فقد كان مضطراً لإنتاج الكثير من الأعمال حتى ينفق على أسرته الكبيرة المُكوَّنة من ثمانية أشخاص. وقال زولا عن بيسارو: «هذا الفنان يهتم بالحقيقة فقط، وحين يقف في إحدى زوايا الطبيعة، ينقل الآفاق بأوسع ما فيها من جهامة دون محاولة إضفاء أي شيء من تحويراته. لم يكن شاعراً أو فيلسوفاً، بل فناناً طبيعياً وحسب ينقل المشاهد الطبيعية.. تمتَّع أنت بحلمك إن شئت، أما هو فإنه يُريك ما يراه مباشرةً.. هذه الواقعية أرفع شأناً من الحلم» . وعبارة زولا هذه تُبيِّن هذا التأرجح الحاد بين الذات والموضوع الذي يسم الفلسفة الغربية والنظرية الجمالية الغربية في القرن التاسع عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>