للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الواضح أن بيسارو ثمرة خلفيته الفكرية والفنية التي استقى منها أفكاره ولغته الفنية وقد ساهم في تطوير هذه الأفكار واللغة، فلم يكن متلقياً، وإنما كان فناناً ومفكراً عميقاً يستقي عظمته وعُمقه من المنظومة الفكرية واللغة الفنية السائدة في عصره. فتأثَّر بالفكر الفوضوي وبالأفكار العلمية عن السببية ونظريات الضوء واختراع الصور الفوتوغرافية، واستوعب الثورة الصناعية وآثارها العميقة في الإنسان والبيئة، وتأثَّر بالرسامين الإنجليز كونستابل وترنر، وبالفرنسيين كورو وكوربيه ومانيه ومونيه وسيرا. وأثَّر بدوره في سيزان (الذي كان يُعتبَر في منزلة أب له) وجوجان وفان جوخ. وهذا يفضي بنا إلى أن نطرح سؤالاً بشأن يهودية بيسارو. فاسمه يظهر في جميع الموسوعات اليهودية باعتباره فناناً يهودياً. وقد أشرنا من قبل إلى إلحاده وعدم تناوله موضوعاً يهودياً واحداً في لوحاته. ورغم كل هذا يبحث دليل بلاكويل للثقافة اليهودية وغيرها من الموسوعات عن عناصر تبرِّر تصنيفه باعتباره يهودياً.

١ ـ فدليل بلاكويل ـ على سبيل المثال ـ يرى أن هناك خصوصية يهودية لبيسارو، ولكنها تظهر «بطريقة أكثر اتساعاً وأقل طائفية» . ثم يستمر الدليل ليشير إلى بعض مظاهر هذه اليهودية المتسعة غير الطائفية، فيرى أن تبنِّي بيسارو المُثُل العليا اليسارية ومواقفه الإنسانية العميقة والتي تُعبِّر عن نفسها بشكل فني في الصور التي رسمها للريف، هي من بين هذه المظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>