أما بالنسبة للجماعات اليهودية التي نشأت في شرق أوربا والتي تتحدث اليديشية، فظهرت بينها أشكال وأنماط من الكوميديا تميَّزت بالسخرية من الدين ومن الذات اليهودية، واستمدت ملامحها من وضع اليهود في هذه المجتمعات كجماعات وظيفية تعيش على هامش المجتمع وفي عزلة عنه ولكنها تسعى في الوقت نفسه إلى الاندماج فيه.
وتزخر الكوميديا اليديشية بالسخرية من الأسلوب التوراتي والكتابات الدينية وطريقة الحاخامات في التعبير. والدين هنا هو موضع السخرية لأنه مصدر الإزعاج الأول والعقبة الرئيسية في طريق الاندماج، وبالتالي تكون الكوميديا الساخرة وسيلة اليهود في التخلص من يهوديتهم. ونحن نرى هذا بكثرة في كتابات الكاتب اليديشي الساخر شالوم عليخيم، خصوصاً في كتابه مغامرات مناحم مندل. بل إن احتفالات عيد النصيب (بوريم) في هذه المرحلة تحوَّلت إلى احتفالات تسخر من الدين والحاخامات. وكانت الفقرة الرئيسية في الاحتفال هي «توراة البوريم» أو المحاكاة الساخرة للتوراة حيث صار ملك البوريم تجسيداً للحاخام الأعظم وسخرية منه. هنا صارت الكوميديا وسيلة من وسائل الاندماج في المجتمع وأيضاً طريقة لإنكار الذات من أجل إتاحة الفرصة للدخول في منظومة الآخر.