ولكن رغم أن أطروحة الفيلم الفكرية تقول إن اليهود لم يُقتلوا كيهود وإن ثنائية يهودي/أغيار الصهيونية ليست حقيقية، إلا أنه على المستوى المرئي الفني أرسل رسالة صهيونية كاملة تتنافى مع مضمون الفيلم الفكري. تتضح الرسالة الصهيونية بشكل متبلور في نهاية الفيلم الملونة ولكنها تتغلغل أيضاً في بنية الفيلم وفي شخصياته، فلا يظهر أمامنا غير شندلر ممثلاً للأغيار، أما بقية ممثلي الجنس البشري فهم يدورون داخل الأُطُر الإدراكية الاختزالية التي ركز عليها الفيلم بشكل سوقي.
أما الضحايا، فنحن نعرف أن الدولة النازية طبقت مبدأ المنفعة المادية لا على اليهود وحسب، وإنما على كل البشر بدون تمييز. ولو فعل سبيلبرج هذا وربط واقعة المحرقة بالنمط التاريخي المتكرر لاتضح النموذج الأكبر وراء الهولوكوست، وهو نموذج غربي نفعي مادي بدأ في أمريكا الشمالية واستمر في أفريقيا وفلسطين ووصل لحظة التبلور النماذجية في اللحظة النازية. ولعل الفارق الوحيد بين عمليات الإبادة الغربية الأخرى وعملية الإبادة النازية، أن عمليات الإبادة الأخرى كانت تتم دائماً ضد السود أو المسلمين أو الآسيويين، هناك وفي بلاد بعيدة، وعلى يد جنود مهمتهم القتل والقتال. أما الإبادة النازية فقد حدثت هنا، على أرض أوربية، وبشكل منهجي مخطط، وعلى يد مجتمع حديث متحضِّر يستمع لموتزارت وبيتهوفن ويُناقش الفلسفة وهو يشم رائحة اللحم الإنساني المحترق (في إحدى مناظر فيلم «قائمة شندلر» يتناقش جنديان نازيان حول الموسيقى وهما يقومان بالهجوم على بعض الضحايا اليهود) .