ولكن البشر لا يمكنهم أن يواجهوا حقيقة وجودهم ببساطة، وكذلك الحضارة الغربية لا يمكنها أن تواجه التضمينات الفلسفية الأساسية للرؤية العقلانية النفعية المادية (العقل الأداتي - على حد قول مفكري مدرسة فرانكفورت) التي حوَّلت العالم بأسره إلى مادة استعمالية، ولذا لابد من تحاشي المواجهة، وحيث إن تغيير الحقائق أمر مستحيل في عصر المعلومات، إذن، لنتلاعب بمستويات التعميم والتخصيص، وبدلاً من رؤية الجريمة النازية باعتبارها جريمة حضارة نفعية مادية ضد البشر، فإنها تعمَّم للغاية أو تخصَّص للغاية فتصبح بالنسبة للحضارة الغربية جريمة الألمان وحدهم ضد اليهود وحدهم، أما بالنسبة لليهود فتصبح جريمة الأغيار كلهم ضد اليهود كلهم، فيحتكر اليهود دور الضحية أما الجزار فهو إما الألمان الأشرار وحدهم (شيء خاص للغاية، مجرد حادثة عرضية) أو الجنس البشري بأسره (شيء عام للغاية ولذا فالجميع مسئول) ، وفي كلتا الحالتين تتم تبرئة الحضارة الغربية الحديثة. وهكذا تضيع الحقيقة وتميد الأرض وتُوظَّف الحقائق لا للرؤية وإنما للتعمية. ومن ثم يمكن الاستمرار في الإبادة في فيتنام وفلسطين والبوسنة والهرسك مع الثرثرة المستمرة عن ضحايا النازية، وضرورة إيقاف المذابح.