للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ ـ أدَّى شيوع وهم الموضوعية الكاملة المتلقية والواقع الخام إلى شيوع النماذج الاختزالية، فنحن كثيراً ما نتصور أن الحقائق هي الحقيقة وأن الواقع الخام هو مُستَقَرها، ولذا فنحن نحاول أن نكون موضوعيين تماماً في رصد الحقائق فلا نُعْمل عقولنا. ومعظم الحقائق التي يأتي بها الاختزاليون حقائق موضوعية ووقائع ثابتة حدثت تحت سمع الناس وبصرهم، فهم لا يختلقون الحقائق (في أغلب الأحيان) وإنما يجتزئونها، ولكن كثيراً ما تكون الحقائق التي يذكرونها تافهة هامشية جزئية لا علاقة لها بالحقيقة الكلية (ولذا فهي تُسمَّى بالإنجليزية: ترو لايز true lies أكاذيب حقيقية، أي كلمة حق جزئي يُراد بها باطل كلي) .

٣ ـ النموذج الاختزالي هو النموذج السائد في الصحافة والإعلام على وجه العموم، بسبب أن المشتغل بالإعلام عادةً ليس عنده فسحة من الوقت للنظر العميق في الوقائع التي يكتب عنها (فرئيس التحرير يود أن يجد الخبر فوراً على مكتبه) ولذا ارتبط الإعلام تماماً بالآن وهنا وبما يسمونه الأحداث الساخنة، التي يضطر الإعلامي لعزلها عن أي سياق أو خلفية تاريخية أو اجتماعية وأية دوافع إنسانية مُركَّبة وأية إشكاليات سابقة. وإن حدث وأدرك الإعلامي بعض الأبعاد المركبة للحادثة التي يكتب عنها فهناك مشكلة أن السيد رئيس التحرير الافتراضي يريدها في حيز صغير جداً (٢٠٠ كلمة ـ ٣ دقائق) . وقد أدَّى كل هذا إلى سيادة النماذج الاختزالية على الإعلام والإعلاميين، وبسبب سيطرة الإعلام على عقول الناس بدأت النماذج الاختزالية تهيمن على السواد الأعظم من البشر.

٤ ـ وقد عمَّق هذا الاتجاه ظهور الصورة كمصدر أساسي للمعرفة، فالصورة منغلقة على نفسها توصِّل رسالتها بشكل مباشر إلى وجدان الإنسان العادي، الأمر الذي لا يتيح له أية فرصة للتأمل أو التفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>