ويمكن القول بأن بلوخ يحاول أن يولّد ثنائية داخل النظام المعرفي المادي (تجاوز من خلال المادة) حتى يحتفظ بروح الثورة والأمل؛ ثنائية تشبه الثنائية التقليدية. وبالفعل يتحدث عن أن الأمل الطوباوي يشغل الحيز نفسه الذي كان يشغله الإله من قبل. ولذا تظهر داخل فلسفته ثنائية هيومانية: الإنسان مقابل المعطيات الجامدة وكل ما يشيّئه. فهو يرى على سبيل المثال أن مصدر الثورة هو التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج (على حد قول النظرية الماركسية التقليدية) ، ولكن «اتجاه» الثورة هو أمر كلي ونهائي (تطلق عليه الديانات لفظ «إسكاتولوجي» أو «تيليولوجي» ، أي «علم نهاية الأشياء» ) . وهذا تعبير عن ثنائية عالم الأشياء مقابل اليوتوبيا. والإنسان نفسه تعبير عن هذه الثنائية، فهناك قوانين التاريخ الحتمية والأفق المادي الذي يعيش فيه، ولكن هناك أيضاً داخل الإنسان إمكانيات لم تتحقق بعد. فهو يعيش في أفق «ليس بعد» (بالألمانية: نوخ نيخت Noch-Nicht) . وهذه الإمكانية المثالية الطوباوية هي التي تحرك الإنسان وهي التي تجعل الطفرات النوعية نحو الجديد ممكنة وهو ما يعني وجود انقطاع في التاريخ، أي أن الحديث عن الحتمية التاريخية (كما يفعل الماركسيون الآليون) أمر لا معنى له. هذا لا يعني أن الممكن، غير المتحقق، (ما ليس بعد) منفصل عن الحقيقي، فهو إرهاص له، هو طريق الخلاص للإنسان ولكنه خلاص يتحقق داخل العالم المادي. ولذا، ينادي بلوخ بإنسانية ثورية، أي إنسانية تحقق للإنسان، إمكانياته من خلال نضال ثوري وتحوُّل اجتماعي (هذا في مقابل ما يُسميه «الإنسانية البورجوازية» التي تُمجِّد الإنسان كوضع قائم في المجتمع البورجوازي) .فالإنسان «ليس بعد» لأنه مقيد بالأحوال الاجتماعية والتاريخية المحيطة به والمؤسسات التي تمنعه من تحقيق إمكانياته. وغاية الفلسفة معرفة هذه الإمكانية التي لم تتحقق، ومن ثم فإن المعرفة الفلسفية معرفة ثورية لأنها تدفع صاحبها