يقدم كريستول حلاًًّ جديداً للمشكلة يستند إلى مقدمات فلسفية وتاريخية مفادها أن العقيدة العقلانية للإنسانية العلمانية بدأت تفقد مصداقيتها بالتدريج رغم هيمنتها الكاملة على مؤسسات مجتمعنا (المدارس والمحاكم والكنائس ووسائل الإعلام) . ويعود هذا إلى سببين:
١ ـ بإمكان الفلسفة العقلانية العلمانية أن تزودنا بوصف دقيق للمسلمات الضرورية لتأسيس نسق أخلاقي. ولكنها لا يمكن أن تزودنا بهذا النسق ذاته، فالعقل قادر على تفكيك الأنساق الأخلاقية ولكنه ليس قادراً على توليدها، إذ أن الإنسان يقبل الأنساق الأخلاقية من منطلق إيماني غير عقلي، والعقل المحض لا يمكن أن يتوصل إلى أن الجماع بالمحارم خطأ (طالما أن مثل هذه العلاقة لا تثمر أطفالاً) ، أو أن مضاجعة الحيوانات شر (إلا من منظور أنها انتهاك لحقوق الحيوانات) ، ذلك أنه ليس معروفاً لدينا إن كانت الحيوانات تتمتع بمثل هذه العلاقة الجنسية أم لا. وبسبب هذه الفوضى الأخلاقية، أصبح من المستحيل علينا تنشئة الأطفال، وتظهر أجيال قلقة لا تجد لنفسها مخرجاً من هذا الوضع.
٢ ـ لا يمكن أن يُكتب البقاء لمجتمع إنساني إن كان أعضاؤه يعتقدون أنهم يعيشون في عالم لا معنى له. والواقع أننا، منذ القرن التاسع عشر (الحركة الرومانسية) ، نجد أن تاريخ الفكر الغربي هو رد فعل للإحساس بأن العلمانية أدَّت إلى ظهور عالم لا معنى له، وهي تحاول أن تحل هذه المشكلة بأن تؤكد للإنسان أنه يسيطر على نفسه وعلى الطبيعة من خلال الاستقلال والإبداع، وهو أمر يراه كريستول مجرد خداع للنفس، ولذا فإن أهم ثلاثة فلاسفة غربيين في العصر الحديث لا يؤمنون بالعقيدة الإنسانية (الهيومانية) : فنيتشه عدمي، وهايدجر وثني جديد، وسارتر وجودي يشعر بالغثيان، كما أن التيارات الفكرية السائدة الآن (التفكيكية وما بعد الحداثة) كلها تشعر بالازدراء تجاه الفكر الإنساني الهيوماني.