ويبدو أن اليهودية وجدت نفسها دين أقليات متناثرة تواجه دينين سماويين توحيديين تتبع كل منهما إمبراطورية مترامية الأطراف وترفض كلٌ منهما اليهودية. ولذا، ظهر فكر ديني يهودي يحاول تفسير هذه الظاهرة عقلياً ويرمي إلى الدفاع عن اليهودية وإثبات شرعيتها. وأولى هذه المحاولات محاولة داود بن مروان المقمص، وتبعتها محاولة سعيد بن يوسف الفيومي، اللذين نقلا فكر المعتزلة إلى الفكر الديني اليهودي. وهما، في هذا، لا يختلفان كثيراً عن القرّائين. وتأثر الفكر الديني اليهودي بالحوار الذي جرى داخل الفلسفة الإسلامية بين الفلسفة وأعدائها، فدافع عن الفلسفة أبراهام بن داود، وموسى بن ميمون، ولاوي بن جرشون (جيرونيدس) ، وحسداي قرشقاش. وهاجم الفكر الفلسفي كلٌّ من سليمان بن جبيرول وابن فاقودة ويهودا اللاوي.
وفي العصر الحديث، يبدأ التفكير الفلسفي بين اليهود في كتابات إسبينوزا فيلسوف العَلمانية الذي وجَّه سهام نقده لليهودية خاصة، وللفكر الديني عامة، لدرجة يصعب معها الحديث عنه باعتباره مفكراً دينياً. ولذا، قد يكون من الأفضل أن نبدأ بموسى مندلسون فيلسوف حركة التنوير بين اليهود، والذي تبنَّى فكر حركة الاستنارة الغربية والفلسفة العقلانية وطبقه على اليهودية بعد إفساح المجال للوحي، وهذا ما جعل فكره ربوبياً إلى حدٍّ ما. وقد تأثر المفكرون اليهود بفكر هيجل كما يتضح في كتابات كروكمال. أما هرمان كوهين فتأثر بفلسفة كانط. وظهر فلاسفة يهود آخرون في العصر الحديث حاولوا إعادة صياغة اليهودية مستخدمين مقولات الأنساق الفلسفية السائدة. فنجد فرانز روزنزفايج، ومارتن بوبر، وليوبايك، وأبراهام هيشيل، يحاول كل منهم بطريقته استخدام مقولات نسق فلسفي ما (وجودي أو مثالي) لإعادة تفسير اليهودية (وقد تناولنا كتابات مثل هؤلاء المفكرين الدينيين في المجلد السادس الخاص باليهودية) .